كتاب في سر الرؤساء... يكشف كواليس الحكم بالعالم
في سر الرؤساء.. المخابرات المركزية الأمريكية, البيت الأبيض, قصر الإليزيه: الملفات السرية 1981- 2010" هذا هو عنوان الكتاب الفرنسي الجديد للصحفي الفرنسي فينست نوزيل الذي يؤكد في مقدمة كتابه أنه يقدم صورة غير مسبوقة لرؤساء العالم و يرصد تفاصيل شديدة الخصوصية لكيفية تفاعلهم مع الأحداث العالمية. أجرى الصحفي الفرنسي تحقيق أستمر للعديد من السنوات في أوربا والولايات المتحدة الأمريكية ونجح في الوصول للعديد من الوثائق السرية كما جمع شهادات الكثير من الشخصيات الهامة والمؤثرة في مسرح الأحداث العالمية قبل أن يقدم كتابه. في صفحات هذا الكتاب يكشف نوزيل الكثير من الأسرار والحكايات التي لم تخرج للنور من قبل.
القذافي وريجان
ومن الأسرار التي كشفها الكاتب أن الرئيس الأمريكي الراحل رونالد ريجان كان يكره الرئيس الليبي معمر القذافي ويخطط لقتله, وكان ريجان قد طلب مساعدة فرنسا للتخلص من القذافي ولكن الرئيس الفرنسي في ذلك الوقت فرنسوا ميتران رفض مساعدة ريجان خشية أن تؤثر عملية الاغتيال على استقرار منطقة المغرب العربي وعلى وضع فرنسا العالمي. وكان الرئيس الأمريكي الراحل رونالد ريجان قد أرسل عام 1986 خطاب لجاك شيراك الذي كان يشغل منصب رئيس حكومة التعايش بين اليمين واليسار كتب فيه "نريد قتل القذافي وأنا أحتاج أن تعبر قاذفاتنا المقاتلة الأجواء الفرنسية" ولكن شيراك رفض هذا الطلب ورد قائلا" إن فرنسا ترفض رفض قاطع المشاركة في هذه العملية. والحقيقة أن فرنسا وفقا للكتاب لم ترفض المشاركة في اغتيال القذافي ولكنها رفضت المشاركة في عملية غير محكمة والدليل أن الرئيس الفرنسي الراحل فرنسوا ميتران أرسل أحد مستشاريه إلى واشنطن لكي يشرح بالتفصيل موقف فرنسا التي كانت على استعدادا للمشاركة في عملية معدة بعناية.
علاقة الحب والكراهية بين شيراك وبشار الأسد
ومن الحقائق الأخرى التي يكشفها الكتاب أن الرئيس الفرنسي الأسبق جاك شيراك لم يكن يحب الرئيس السوري بشار الأسد و كان يسعى لعزله من موقعه. والمثير أن شيراك لم يكن يكره بشار الأسد في البداية بل على العكس كان الرئيس الفرنسي السابق يعتقد أن الرئيس الشاب بشار الأسد قد يكون حليف قويا له, وكان شيراك يعتقد أنه من الممكن له أن يلعب دور الوصي على بشار الأسد, وبالفعل مع مع وصول بشار للحكم خلفا لوالده عام 2000 كانت العلاقة جيدة. بذل شيراك جهد كبير لكسب بشار الأسد لصفه ونجح بالفعل في اقناعه بتأييد قرار الأمم المتحدة بإعادة المفتشين للعراق عام 2002. ولكن شهر العسل لم يستمر طويلا وتغيرت قوانين اللعبة 180 درجة وبدأت العلاقات بين شيراك والأسد تصاب بالفتور والذي سرعان ما تحول إلى كراهية ورغبة فرنسية من التخلص من الأسد. بدأ الخلاف في نهاية عام 2003 عن أرسل شيراك مستشاره الدبلوماسي موريس جوردو مونتاني بشكل سري إلى الرئيس السوري في محاولة لمعرفة نوايا الرئيس السوري بعد الغزو الأمريكي للعراق, وفي هذا اللقاء الذي أستمر لأكثر من ساعتين أكد المندوب الفرنسي للأسد على الدعم الفرنسي لسوريا وأشار قائلا " نحترم سيادتكم، وقد بذل رئيس الجمهورية كل ما بوسعه لضمكم إلى المشهد الدولي، وهو مستعد للمتابعة, نحن بحاجة إليكم من أجل التوازن في المنطقة. فلتتخذوا مبادرة، من أي نوع كان، ونحن ندرسها، وندعمكم بإرسال وزراء خارجية فرنسا وروسيا وألمانيا". كان بشار يستمع لهذه الرسالة بكثير من الشك والقلق وفي النهاية سأل المبعوث الفرنسي إذا كان يحمل رسالة من الولايات المتحدة الأمريكية. بشار رفض القيام بالمبادرة التي رغب فيها شيراك والأخير قرار أن الحل المناسب هو التخلص من النظام السوري لتبدأ المعركة التي شهدت الكثير من الخسائر على الجانبين. اتفق الموقف الفرنسي من سوريا مع الموقف الأمريكي, ومع دعم الولايات المتحدة لفكرة الشرق الأوسط الكبير تدخلت فرنسا لفرض وجهة نظرها التي تصب في النهاية ضد النظام السوري. في لقاء له مع بعض أعضاء الكونجرس الأمريكي عام 2004 علق شيراك على فكرة الشرق الأوسط الكبير قائلا " لنكن واقعيين. لن نتقدم في الديموقراطية بالشرق الأوسط، إلا إذا بدأنا بدعمها حيث توجد، أقصد لبنان وبالتالي علينا أن نساعد هذا البلد على التخلص من الوصاية السورية. وفي لقاء بقصر الإليزيه أعاد شيراك عرض نفس الفكرة على مسامع الرئيس الأمريكي حيث طالبه استغلال الانتخابات الرئاسية اللبنانية من أجل التخلص من الرئيس اللبناني أميل لحود الموالي لسوريا وإجراء تعديلات دستورية في لبنان وطلب شيراك من بوش العمل معه في الملف اللبناني السوري وكان رد بوش "لما لا". في ذلك الوقت كان باريس وواشنطن على خلاف بشأن العراق ولهذا أتى الملف اللبناني السوري كوسيلة لانعاش العلاقة بين الدولتين. هذا التركيز الأمريكي الفرنسي على الشأن اللبناني لقى ترحيب من رفيق الحريري
و بدأت الخطوات التطبيقية مع صيف 2004. في بيروت وتولى تنسيقها السفيران، فيليب لوكورتييه، الفرنسي، والأميركي القادم من بغداد، جيفري فيلتمان. بدأ الرجلين في التحضير لمشروع قرار يطرح على مجلس الأمن, يتعلق القرار باقامة انتخابات حرة في لبنان، وانسحاب القوات السورية بأسرع وقت ممكن. عرض مندوب من الرئاسة الفرنسية هذا المشروع على رفيق الحريري أثناء اقامته في قصره الصيفي بسردينيا, وتمت قراءة مسودة المشروع على متن يخت رئيس الوزراء اللبناني.
لكن سوريا سبقت فرنسا وأجرت تعديلات دستورية في لبنان وسمحت لحليفها إميل لحود بالتمديد ولاية جديدة لمدة ثلاثة اعوام. وأستدعى بشار الأسد رئيس الوزراء اللبناني رفيق الحريري وقال له في غضب "لحود هو أنا". كرد فعل أتى قرار 1559 الذي يطالب سوريا بسحب جميع القوات الأجنبية المسلحة، وحل الميليشيات، وإجراء انتخابات رئاسية حرة وفق القواعد الدستورية اللبنانية من دون أي تدخل خارجي. وكان هذا القرار بمثابة إعلان للحرب على سوريا فقد اعتبر الأسد هذا القرار بمثابة استفزازا من قبل الحريري، وخيانة من جاك شيراك، وتحديا من جورج بوش. وأتى اغتيال الحريري بمثابة الزلزل الذي حطم مشاعر جاك شيراك الذي لم ينجح في منع دموعه من السقوط على مقتل صديقه المقرب وحليفه الذي تم اغتياله عام 2005. لم يتردد شيراك في اتهام سوريا وبدأ التخطيط من أجل الانتقام وكانت خطته كما شرحها لبوش هي تأسيس لجنة تحقق في عملية الاغتيال، يجب أن تكون قوية ومدعومة من الأسرة الدولية، لأن إدخالها في المشهد اللبناني سيساعد المعارضة". وافق بوش على الخطة لكنه كان يخشى من خطر عودة الحرب الأهلية في لبنان ولكن شيراك أكد له أن الوضع اللبناني تغير. كما اعتمدت خطة الانتقام الفرنسية من سوريا على المطالبة بضرورة تطبيق القرار 1559 الأمر الذي سيكون بمثابة ضربة قاسية لسوريا وفي حالة رفضها تطبيق القرار سيكون من السهل العودة لمجلس الأمن لتقرير عقوبات مالية مباشرة وغير مباشر.
الرقص في شوارع بغداد
خصص الصحفي الفرنسي جزء كبير من كتابه للحديث عن العراق وأكد أن جورج بوش الأب قد قال لفرنسوا ميتران أثناء مكالمة هاتفية "سوف نرقص في شوارع بغداد حين يسقط نظام صدام حسين" . وأكد فينست نوزيل أن جاك شيراك كان معارض للتدخل الأمريكي في العراق وقد قام بإرسال السفير الفرنسي في واشنطن جان دافيد لافيت إلى كوندليزا رايس لمعرفة السر وراء الاسراع في عملية الهجوم على العراق والمثير أو رايس اكدت أن السر وراء الغزو الأمريكي لا يرجع لامتلاك العراق أسلحة دمار الشامل ولكن للحفاظ على سمعة الرئيس الأمريكي أولا ثم بعد ذلك الإطاحة بصدام حسين قبل الاهتمام بقضية أسلحة الدمار الشامل.
وحمل الغزو الأمريكي للعراق وجه آخر حيث كانت واشنطن لا تريد أن تتحمل وحدها تكاليف العمليات العسكرية واعادة الاعمار بالعراق. فغزو العراق كان يكلفها 70 مليار دولار سنويا, وكانت واشنطن ترى أن على باريس تقاسم العبء ، حتى لو كان فقط للتعويض عن رفضها ارسال قوات الى جانب الجنود الامريكيين.
لعدة شهور شن البيت الأبيض حملة مكثفة للضغط على الاليزيه للحصول على الأموال من باريس. والاكثر غرابة هو ان جاك شيراك خضع في النهاية للضغوط الأمريكية وتخلى عن مبادئ وطنه, على حد وصف الكتاب.
لعدة شهور شن البيت الأبيض حملة مكثفة للضغط على الاليزيه للحصول على الأموال من باريس. والاكثر غرابة هو ان جاك شيراك خضع في النهاية للضغوط الأمريكية وتخلى عن مبادئ وطنه, على حد وصف الكتاب.
كلمة السر في الخطة الأمريكية كانت الديون العراقية المتراكمة على مر السنين على يد صدام حسين. المبالغ غير المدفوعة وصلت أكثر من 120 مليار دولار مقابل أسلحة عسكرية وإمدادات مدنية لنظام صدام، مع مراعاة الفائدة المتأخرة عن هذا المبلغ. الدائنون الرئيسيون للعراق هم اليابان وروسيا وفرنسا وألمانيا.
والسؤال الذي يطرح نفسه هل من باب الصدفة أن البلاد الثلاثة الأخيرة هي التي قادت حملة معارضة الهجمة الأمريكية على العراق. ولكن بصرف النظر عن هذه الصدفة الغريبة فأن البيت الأبيض أعتبر أن هناك فائدة مزدوجة من الضغط على تلك الدول من أجل التنازل عن ديونها, أولا اتاحة الفرصة للعراق لإعادة بناء نفسه من جديد على أسس اقتصادية خالية من عبء ديون خارجية ثقيلة , ثانيا الثأر من الدول التي لم تتعاون معها في غزوها للعراق.
التقى المبعوث الأمريكي جيمس بيكر مع جاك شيراك ، الثلاثاء 16 ديسمبر 2003 ، و على الرغم من الموقف الفرنسي الحذر نجح بيكر في الحصول على تخفيض فرنسي للديون العراقية يصل حوالي إلى 50 ٪ . التنازل الفرنسي فتح شهية الرئيس الأمريكي لمزيد من الأرباح وفي مكالمة هاتفية مع الرئيس الفرنسي في مارس 2004 طلب بوش من نظيره الفرنسي إعادة النظر في الديون الفرنسية على العراق مؤكد أنهم يطالبون بإلغاء 95% من الديون العراقية. وأثناء زيارة الرئيس الأمريكي لفرنسا في 5 يونيو 2004 من أجل المشاركة في احياء ذكرى يوم النصر تم الاتفاق على إلغاء 80% من الديون العراقية, وهو الأمر الذي يعكس ضعف شخصية شيراك أمام الرئيس الأمريكي وهو ما أعتبره الكتاب بالحقيقة الصادمة التي تؤكد أن صورة فرنسا التي تظهر في العالم مغايرة لحقيقتها في كواليس العلاقات الدولية.
توتر العلاقة بين ساركوزي وأوباما
كشف الكتاب عن توتر العلاقة بين الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي ونظيره الأمريكي باراك أوباما. أكد الصحفي الفرنسي أنه على الرغم من التشابه الشديد في شخصية ساركوزي وأوباما فكليهما شاب, كليهما عمل في مجال المحاماة قبل احتراف السياسة والانتقال للقصر الرئاسي, كليهما يسعى لتطبيق عدة إصلاحات, ولكن على الرغم من هذا التشابه إلا أن هناك حالة من البرود تسيطر على العلاقة بين الرئيسين. أرجع الصحفي الفرنسي هذا البرود لعدة أسباب ومنها العلاقة القوية التي تجمع ساركوزي بالرئيس الأمريكي السابق جورج بوش وهو الأمر الذي أثار حفيظة أوبامام, وثانيا إلى كراهية ساركوزي للثقافة الأمريكية فهو لا يتحدث بشكل جيد اللغة الإنجليزية ويعلن دائما أنه معارض للثقافة الأمريكية وأن كان يحترم القيم الأمريكية.
مي سمير
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق