التايم تطرح هذا السؤال: علاقات عاطفية, أكاذيب, تعجرف, لماذا يتصرف رجال السلطة بشكل سيئ؟
دراسة علمية تؤكد أن الصعود السياسي يدفع صاحبه لاقامة علاقات عاطفية غير شرعية
عندما كان زوجها دومنيك ستراوس يستعد من أجل خوض انتخابات الرئاسة الفرنسية منذ خمس سنوات ماضية, صرحت آن سينكلير لإحدى الصحف الفرنسية عن فخرها الشديد بسمعة زوجها كزير نساء, وأضافت قائلة "من المهم ان يمتلك رجل السياسة القدرة على الإغراء. قد تفسر لنا هذه الوجهة من النظر لماذا تغاضى رجال السياسة في فرنسا وكذلك المسؤلون في صندوق النقد الدولي عن الشائعات المتعلقة بالعلاقات النسائية للمدير السابق لصندوق النقد الدولي الذي يحاكم حاليا في الولايات المتحدة الأمريكية بتهمة محاولة اغتصاب عاملة فندق. بهذه المقدمة افتتح مجلة التايم تحقيقها الذي حمل عنوان علاقات عاطفية, أكاذيب, تعجرف, لماذا يتصرف رجال السلطة بشكل سيئ؟. والحقيقة أن ستراوس يمتلك تاريخ طويلا من العلاقات العاطفية بدءا من الصحفية التي حاول أن يخلع عنها ملابسها ويقيم معها علاقة عندما كانت تجري حوار معه, إلى المحامية التي أعلنت أن ستراوس حاول التحرش بها وأقسمت ألا تتواجد معه في غرفة واحدة بمفردها, إلى موظفة صندوق النقد الدولي التي أرسلت خطاب إلى المحققين التابعين للمؤسسة وأشارت فيه أن ستراوس يعاني من مشكلة تجعله غير قادرعلى إدارة مؤسسة تعمل بها نساء تحت قيادته. لكن على الرغم من تلك التحفظات المتعددة حول العلاقات العاطفية لسترواس إلا أنه ظل في موقعه كمدير لصندوق النقد الدولي وواحد من أهم رجال السياسة والاقتصاد في فرنسا والعالم والمرشح الأقوى لخوض انتخابات الرئاسة الفرنسية القادمة أمام ساركوزي, قد يرجع ذلك إلى نفوذ رجال السلطة الحريصين على حماية بعضهم البعض, قد يرجع ذلك لكونه في النهاية واحد من أهم خبراء الاقتصاد القادرين على انقاذ اقتصاد العالم وبالتالي فلامانع أن يرتكب بعض الأخطاء , أو قد يرجع الأمر لأعتقاد بعض الرجال السلطة أن في كل مجتمع هناك دائرة مغلقة من رجال السلطة فوق القانون والمحاسبة.
المؤكد في النهاية أن القبض على ستراوس في نيويورك ومحاكمته فتحت باب الحوار حول العلاقات العاطفية, الأكاذيب, الامتيازات التي يتمتع بها رجال السلطة. وستراوس ما هو في النهاية إلا أسم في قائمة طويلة تضم العديد من الأسماء أحدثها على الإطلاق حاكم ولاية كاليفرونيا والممثل الأمريكي أرنولد شوازنجير والذي اعترف أن سبب انفصاله عن زوجته ماريا شريفير يرجع لاكتشافها خيانته لها مع إحدى خادمات منزلهما وانجابه منها لطفل صغير. وعلى الرغم من اختلاف القضيتين, فالأول يحاكم بمحاولة اغتصاب والثاني قام بخيانة زوجته إلا أن القضيتين تحملا نفس التفاصيل الخاصة بأستغلال النفوذ وخيانة الأمانة, وفي القضيتين هناك رجل لم تؤثر سمعته كزير نساء يتورط في علاقات شائنة على صعوده السياسي. هذا الأمر يطرح سؤال هام وهو: كيف تدور الأمور في كواليس السياسة؟ كيف لرجل لا يملك قدرة الحكم على الأمور بعقلانية ولا يهتم كثيرا بالشرف أن يصل إلى تلك المكانة العالية؟ .
في البداية علينا أن نتذكر أن ستراوس برئ إلى أن تثبت إدانته, وأن كانت التهمة المعلقة في رقبته تجعله في مكانة مختلفة عن بقية مشاهير العالم ورجال السلطة والنفوذ, فهو لم يقم علاقات عاطفية مع سيدات مقابل المال مثل بطل العالم في رياضة الجولف تايجر وودز أو الممثل الشهير شارلي شين, كما لم يتم اتهامه بمحاولة إقامة علاقة مع صديقة زوجته كما حدث مع السناتور الأمريكي جون انسيان, أويصادق فتيات الليل في الوقت الذي يحارب فيه الدعارة كما فعل حاكم نيويورك السابق إليوت سبيتيز, كما أنه ليس مثل رئيس الكونجرس الأمريكي الأسبق نوت جينجريش الذي كان يهاجم بيل كلينتون لكذبه بشأن علاقته بمونيكا لوينسكي في الوقت الذي كان هو نفسه يقيم علاقة عاطفية في الخفاء.
لقد اهتز العالم مع القاء القبض على ستراوس هذا الرجل الشهير الذي كان يطلق عليه محفظة العالم, الأسطورة التي أنقذت الاقتصاد الأوربي, والرجل القادم لاحتلال قصر الرئاسة الفرنسي, والمؤكد أن ستراوس يمتلك نفوذ لا حدود له وأصدقاء في كل مكان كان يصفونه بالرجل الأكثر ذكاء في العالم, ولكن يبدو أن الذكاء لا يشترط توافر الأخلاق. اشتعلت حرب ثقافية عبر المحيط الأطلنطي بين الولايات المتحدة الأمريكية والقارة العجوزة, كل جانب ينظر للقضية من وجهة نظره, وكل جانب يتعامل بشكل مختلف مع هذه الأخبار, في أوربا التجاوزات العاطفية للمسؤول لا تؤثر على بقائه في المنصب بينما الوضع مختلف في الولايات المتحدة الأمريكية. لكن هذه القضية تشير إلى ظهور شكل مختلف من القضايا الأخلاقية المتعلقة برجال السلطة, فالأمر لم يعد قاصر على الشائعات أو القصص المتداولة كما هو الحال في أوربا, كما لم يعد يتعلق بقصص وحكايات تدفع رجل السلطة لتقديم استقالته كما هو الحال في الولايات المتحدة الأمريكية. شتراوس تتم محاكمته في الولايات المتحدةالأمريكية وقد تصل عقوبته إلى 75 عاما وهو في وضع أكثر سوءا من رئيس وزراء بيرلسكوني الذي يحاكم بتهم فساد وتزوير وإقامة علاقة مع فتيات تحت السن القانوني. أن مثل هذه القضايا تضع سلوكيات اثنين من أهم رجال السلطة في العالم تحت دائرة الضوء وسط محاكمة وشهود وأدلة تتناول تجاوزات أخلاقية ومهنية.
هل السلطة غير أخلاقية؟ هل النجاح في عالم السياسة يحتاج ذكاء ولكنه لا يشترط الأخلاق؟ أسئلة عديدة يطرحها علماء الاجتماع في محاولة لدراسة تلك الظاهرة التي تنتشر في كل أنحاء العالم. يؤكد علماء الاجتماع أن النفوذ الكبير قد يدفع صاحبه للاقدام على مخاطرات كبيرة, فالنفوذ يصيب صاحبه بالتهور, خاصة في حالة مثل مدير صندوق النقد الدولي الذي حقق انجاز كبير واصبح ينظر إليه بأنه الرجل الذي لا يمكن للعالم الاستغناء عنه. هذا النجاح الضخم يصيب صاحبه بالنرجسية ويدفعه للاعتقاد أن القواعد والقوانين لا تطبق عليه. ومما يزيد الوضع سوءا أن لأصحاب السلطة دائرة من المقربين أصحاب المصالح المادية أو السياسية والذين يسعون لحماية تلك الشخصية التي توفر له الحماية اللازمة لتغطية أخطائهم وفسادهم وفي بعض الأحيان جرائمهم.
أشارت دراسة نشرتها جريدة " العلوم النفسية" أن الصعود السياسي يدفع صاحبه لاقامة علاقات عاطفية غير شرعية. مع السلطة تأتي الفرص والثقة كما تؤكد الدراسة التي تشير ايضا أن الثقة في النفس التي يكتسبها صاحب النفوذ السياسي تؤدي إلى اشعال شهواته وتدفعه لاقامة علاقات عاطفية. تضيف الدراسة أن الشهرة والنفوذ يزيدوا من فرص إقامة العلاقات العاطفية ويجعلها متاحة بشكل مستمر وهو الأمر الذي يساهم في الخفض الاحساس بتأنيب الضمير.
يشرح عالم النفس مارك هيلد قائلا " عندما تتوافر أمام الرجل المزيد من الفرص فهو يميل عادة لاستغلال هذه الفرص".
الطبيعة تتحكم في الانسان وكذلك الحذر. أن أعضاء العائلة الملكية على سبيل المثال يعيشون في عالم من الرفاهية والنفوذ, ووفقا للنظرية السابقة فهذا يعني أن كل الأمراء والملوك يفتقدون الأخلاق. يبدأ الأبطال الرياضيون حياتهم في ظل ظروف حياة صعبة وبمجرد تحقيق بطولة تتغير الأوضاع والظروف ويتحولوا في لمح البصر إلى مشاهير يخضع لهم الجميع, وهذا لا يعني بالضروة أن كل هؤلاء الأبطال يفقدون أخلاقهم بمجرد تحقيق النجاح. إذا ما الذي يدفع البعض إلى الوقوع في الخطأ دون غيرهم؟ أن دخول عالم الشهرة يعني الحياة في بيت من زجاج, فالكل يتابع خطواتك ولا يوجد مكان للأسرار أو الاختفاء. فعلى سبيل المثال في بداية القضية المتعلقة بعلاقته بمونيكا لوينسكي دافع بيل كلينتون عن نفسه بأنه يدرك أن كل ما يحدث في البيت الأبيض يتم تسجيله صوت وصورة. ولكن يبدو أن كلينتون نسى أنه يعيش في بيت من زجاج عندما أتيحت له الفرصة. نفس الأمر بالنسبة لأرنولد شوازنجر المتزوج من ماريا شيفر التي تنتمي إلى واحدة من أعرق العائلات السياسية في الولايات المتحدة الأمريكية والتي وقفت بجواره أثناء حملته الانتخابية لمنصب حاكم كاليفورنيا عام 2003, في تلك الفترة انهالت اتهامات التحرش على ارنولد ولكن زوجته وقفت بجواره ودافعت عنه غير مدركة أن زوجها يخونها في نفس الوقت مع خادمة المنزل. لقد نسى هؤلاء الرجل مبدأ مهم في عالم السياسة وهو الحذر.
وقد كانت نصيحة ساركوزي لستراوس عند اختياره مدير لصندوق النقد الدولي هي الحذر الشديد وقال له بالحرف " لا تركب المصعد بمفردك مع أي من المتدربات, فأن فرنسا لا يمكن أن تسمح بوقوع فضيحة". لكن يبدو أن الفرص التي أتيحت أمام ستراوس مع منصبه الجديد جعلته ينسى نصيحة ساركوزي ولم يلتزم الحذر. بعد عام واحد من توليه منصب وجد ستراوس نفسه وسط فضيحة ضخمة بعد اتهامه باستغلال منصبه من أجل إقامة علاقة مع بيروسكا ناجي إحدى العاملات لديه, ولكن على الرغم من الحكم ببرائته على أساس أن العلاقة تمت برضا الطرفين إلا أن ستراوس قدم اعتذار رسمي كما أرسل خطاب اعتذار عبر البريد الإلكتروني لكل العاملين معه. ولكن هذه الفضيحة فتحت الباب للكشف عن مزيد من فضائح هذا الرجل الذي حاول الاعتداء على تريستاني بانون الصحفية التي كانت بصدد إجراء حوار معه عام 2002 والتي فوجئت به يحاول الاعتداء عليها وانتهى الأمر إلى شجار كبير صفعته فيه وهربت بعد مشاجرة كبيرة في مكتبه والمثير أنه أرسل لها بعد لك رسالة تليفونية كتب فيها "إذا, هل تخافي مني؟". لم ترفع الصحفية قضية على الرجل والمؤكد أن العديد من السيدات تعرضن لمواقف مشابهة ولكنهن لم يستطعن مواجهة الرجل ذو النفوذ الكبير.
في حوار مع جريدة ليبراسيون قبل عدة أسابيع من القاء القبض عليه اعترف ستراوس أن العقبات الثلاثة التي تقف أمام خوضه انتخابات الرئاسة القادمة عي الأموال, النساء, وكونه يهوديا. والحقيقة أن أكبر التحديات التي كانت تواجه ستراوس هو أسلوب حياته شديدة الرفاهية, فهو عضو الحزب الاشتراكي الذي يعيش في شقة فخمة ويرتدي أفخر الملابس, وكان ستراوس على سبيل المثال قد رفع قضية ضد صحيفة فرنسية كتبت أنه يرتدي بدلة صنعها له خياط أمريكي تترواح أسعار البدل لديه من 7 إلى 35 ألف دولار.
وفي إطار الحرب الثقافية التي اشتعلت بين جانبي المحيط الأطلنطي, فأن الصحافة الفرنسية تعترف بأن ستراوس زير نساء لديه العديد من العلاقات العاطفية ولكن هذا لا يعني أنه ارتكب هذه الجريمة. من جانبها ترى الولايات المتحدة الأمريكية أن ستراوس قد يكون ارتكب هذه الجريمة ولكنه توقع ألا يخضع للعقاب وتتم معاملته على نحو مختلف. في فرنسا العلاقات العاطفية السرية لا تؤثر على بقاء صاحبها في موقعها, بينما الوضع مختلف في الولايات المتحدة الأمريكية التي تميل لأختيار رجال السياسة والحكم وفقا للمعايير الأخلاقية, والمثير أن أشهر من حكم الولايات المتحدة الأمريكية كان له حياة سرية لا تخلو من العلاقات العاطفية السرية, توماس جيفرسون أقام علاقة مع إحدى الخادمات لديه من العبيد الأفارقة وانجب منها عدد من الأبناء, جون كيندي كان له العديد من العلاقات العاطفية وكان من ضمن عشيقاته حبيبة زعيم المافيا, وتبقي مارلين مونرو هي أشهر عشيقاته.
يبقى في النهاية الإشارة أن المشاهير ورجال السياسة عليهم إدارك أن نفوذهم هو امتياز يجب الحفاظ عليه, وهو الأمر الذي يعني أن المسؤول هو أول من يخضع للقانون والمحاسبة, وفي تلك الحالة يلتزم الحذر الذي يمنعه من استغلال الفرص التي تتاح أمامه.
مي سمير
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق