كيف تصبح رئيسا لدولة؟ سؤال صعب لم يعرف الاخوان اجابته
وكتاب جديد يقدم دليل لكيفية حكم مصر لأي رئيس جديد
كتبت مي سمير
قضى الإخوان المسلمون أكثر من ثمانين عاما يعارضون الحكومات المصرية
ويحلمون بالوصول إلى السلطة، ومع سقوط نظام مبارك بفضل الثورة
التي حركتهاالقوى الليبرالية، أتت الفرصة على طبق من فضة للإخوان
وتحقق الحلم وأحتل القيادي الإخواني الدكتور مرسي قصر الرئاسة.
ولكن السنة الأولى من الحكم الإخواني أثبتت أن الجماعة التي اتقنت فنون
المعارضة عليها أن تتعلم أصول الإدارة والحكم.
حكم مرسي جعل المصريين يسألون كيف لجماعة يتم وصفها
بالجماعة السياسية الأكثر تنظيما ورسوخا لا تعلم شيئا عن إدارة الدولة؟
هناك قائمة طويلة تضم الكثير من علامات مرحلة اللادولة التي مرت
بها مصر في عصر مرسي ومنها قرارات رئاسية تصدر ويتم إلغائها
بعد ساعات، تصريحات حكومية عجيبة ومثيرة للسخرية، مشروع نهضة
غامض ويبدو أنه غير موجود. اعتبر الكثير من المحللين أن هذا الأداء
المضحك للإخوان في إدارة الدولة وهو نتيجة لإنشغال الجماعة بتمكين
أعضائها من مفاصل الدولة، ولكن الجماعة نفسها أنكرت هذا الاتهام
وبالتالي لم يعد هناك سوى مبرر وحيد لهذه الكوميديا السوداء التي عاشها
الشعب المصري ألا وهو أن الجماعة تجيد كل أشكال العمل السياسي
إلا شيئا واحد وهو إدارة الدولة، بإختصار الجماعة مش عارفة تحكم.
في هذا الإطار ومع الانتخابات الرئاسية القادمة كان من المهم عرض
الكتاب الجديد "كيف تدير دولة"الذي صدر عن دار نشر جامعة برنستون الأمريكية.
الكتاب تم إهدائه لقادة العالم الحديث من أجل التعرف على أساليب إدارة الدولة وهو مستوحى
الكتاب الجديد "كيف تدير دولة"الذي صدر عن دار نشر جامعة برنستون الأمريكية.
الكتاب تم إهدائه لقادة العالم الحديث من أجل التعرف على أساليب إدارة الدولة وهو مستوحى
من كتابات الفيلسوف الروماني ماركوس توليوس شيشرون والتي قام
بترجمتها فيليب فريمان أستاذ الكتابات الكلاسيكية في كلية لوثر بولاية آيوا.
وكان الكاتب الأمريكي الحاصل على الدكتوراة في التاريخ من جامعة
هارفارد العريقة قد قدم من قبل كتاب "كيف تكسب الانتخابات"
والمستوحى أيضا من كتابات شيشرون، وقد حقق هذا الكتاب
نجاح كبيرا دفعه لتقديم هذا الكتاب الجديد "كيف تدير دولة".
أسس عالمية
قبل 75 عام من الميلاد نجح الفيلسوف الروماني شيشرون في وضع
أسس إدارة الدولة، وهي نفس الأسس التي أعتمد عليها الأباء الأوائل
في الولايات المتحدة في صياغة دستور الولايات المتحدة، وكانت مصدر
إلهام الثورة الفرنسية. وقد كتب جون آدامز ثاني رئيس في التاريخ
الولايات المتحدة في مذكراته أن شيشرون واحد من أعظم رجال الدولة
والفلاسفة في تاريخ العالم. عاصر شيشرون يوليوس قيصر وكان
فيلسوف، محامي، ورجل دولة، ووصف بأنه أعظم خطيب
عرفه العالم. تعد كتاباته المتعددة وبالأخص رسائله إلى شقيقه الأصغر
أتيوس هي مصدر رئيسي للعديد من النظريات السياسية و الاجتماعية.
ولد شيشرون في 3 يناير عام 106 قبل الميلاد ، في مدينة أربينوم
بالقرب روما ، وكان الابن الأكبر لأحد الأثرياء من ملاك الأراضي
ولكنه لم يكن ينتمي لطبقة النبلاء. تلقى تعليمه الأول في مكتبة والده،
وعندما لاحظ الأب شغف ابنه بالفلاسفة والعلوم التاريخية قرر إرساله
لإكمال تعليمه في روما على أمل أن يساهم الابن في الارتقاء بمكانة
العائلة الاجتماعية. درس شيشرون القانون الروماني حيث عمل بالمحاماة
قبل أن ينتقل إلى رودس من أجل استكمال دراسة القانون.
في عام 76 قبل الميلاد عاد شيشرون لروما وتزوج من تيرينتيا
التي كانت تنتمي لإحدى العائلات الكبرى في الطبقة الحاكمة،
وبعد عام اقتحم شيشرون عالم السياسة لأول مرة حيث تم تعيينه في
منصب القسطور وهو اللقب الذي كان يطلق على الموظف الحكومي،
وبفضل منصبه الجديد نجح شيشرون في الانضمام لمجلس الشيوخ،
وعرف بعد ذلك بآرائه السياسية اللازعة وانتقاداته الكبيرة للحكومة،
و اشتهر باستجوابه القاسي لحاكم ولاية صقلية. وقد عين شيشرون
في منصب قتصل روما، وقد شهدت حياته السياسية الكثير من
الصراعات وعرف عنه خلافة الشديد مع يوليوس قيصر مما دفع الأخير
إلى نفيه في مقدونيا، وعلى الرغم من عدم مشاركته في مؤامرة اغتيال
القيصر إلا أنه لم يعترض عليها، وبعد رحيل القيصر كان شيشرون
لاعب رئيسي في الحياة السياسية، حيث دخل في صراع على السلطة
مع مارك انطوني، وألقى شيشرون العديد من الخطب التي انتقدت في
قسوة سياسات مارك انطوني الذي أصدر من جانبه قرار باعتبار
شيشرون عدو للدولة وأصدر فيما بعد أمر بإعدامه لتنتهي حياته في
عام 43 قبل الميلاد. ترك شيشرون تراث شديد الثراء من الكتب،
الخطب والرسائل التي تأرجحت ما بين النظريات السياسية والأفكار
الاجتماعية. ومن أشهر كتبه "الجمهورية" وتعرض فيه لفكرة الدولة وكيفية إدارتها.
كيف تدير الدولة؟
يستعرض الكتاب مجموعة من المبادئ الرئيسية لإدارة الدولة يبدأها
بواحدة من أشهر نظريات الفيلسوف الروماني ألا وهي نظرية
القانون الطبيعي. وإذا كان الرئيس السابق محمد مرسي
في أول خطاب رسمي له للشعب المصري وجه كلامه إلى أهله
وعشيرته مما ترجمه أغلب المصريين بأنه حديث موجها في المقام
الأول للإخوان، فأن المبدأ الأول لإدارة الدولة يقوم على فكرة الفطرة
الإنسانية التي تميل إلى الحق والعدل والمساواة. يرى شيشرون أن
هناك قانون طبيعيا يحكم الحياة بشكل عام والسياسة بشكل خاص.
ويمكن تلخيص هذا القانون الذي يسعرضه الكتاب في عبارة قريبة من
المجتمع المصري ألا وهي "العدل أساس الملك"، أن العدل والمساواة
بين الناس هي أساس القدرة على إدارة الدولة، والقائد يجب أن يتعامل
مع الجميع بمبدأ العدل مع الجميع، وهذا يعني أن الرئيس يجب أن يقف
على مسافة واحدة من جميع المواطنين، وأيا خروج عن هذا المبدأ يندرج
تحت وصف الفساد.
المبدأ الثاني يحمل عنوان "توازن القوي" وبحسب الكتاب فأن أفضل
شكل لإدارة الدولة هو الذي يعتمد على توازن القوى، أخلاق
الرئيس ومرجعيته مهما كانت نبيلة ليست ضامن على أن هذا الرئيس
لن يتحول إلى ديكتاتور إذا انفرد بالحكم بمفرده. لهذا فأن الإدارة
الحكيمة للبلاد تستلزم وجود توازن بين القوى وليس انفراد في الحكم
مهما كان الفصيل الذي يحكم يدعي الحكمة والأخلاق، فالانفراد
بالحكم هو الخطوة الأولى في فساد هذا الحكم. لعل هذا يفسر لنا
لماذا أعترضت أغلب القوى السياسية على قانون الانتخابات البرلمانية
في عهد مرسي والذي كان يقسم الدوائر على نحو يضمن للإخوان المسلمين
الأغلبية البرلمانية، مما يعني أن الجماعة كانت تسعى للسيطرة على السلطة
الرئاسية والتشريعية هذا إلى جانب أن مرسي في إعلانه
الدستوري الشهير أعطى لنفسه حق تعيين النائب العام بما يخالف القانون
ليأتي نائب عام ينتمي للجماعة، وكل هذا يتعارض مع مبدأ توازن القوى
الذي يضمن عدم تحول الرئيس إلى ديكتاتور.
ومن تحقيق التوازن بين القوي إلى فكرة القيادة التي احتلت الجزء
الأكبر من رسائل شيشرون إلى شقيقه الأصغر أتيوس عندما عين
الأخير كحاكم على واحدة من أهم ولايات الإمبراطورية الرومانية
بآسيا والواقعة في الساحل الغربي التركي. تحدث شيشرون في هذا
الرسائل عن سمات القائد المثالي من وجهة نظره. يشبه شيشرون
رئيس الدولة بقائد السفينة التي تخوض عاصفة هوجاء، فإذا لم
يحسن القائد أداء وظيفته ستكون النتيجة كارثة على الجميع الركاب.
ويرى شيشرون أن القائد يجب أن يكون شخصية استثنائية،
يتمتع بالشجاعة والقدرة على مواجهة المشكلات، والأهم أن القائد العظيم هو
من يضع مصالح وطنه فوق مصالحه الشخصية.
في مشواره السياسي كما كسب شيشرون الكثير من الأصدقاء
نجح أيضا في خلق أيضا الكثير من الأعداء، ولهذا يرى الفليسوف
الروماني أن المبدأ الرابع في إدارة الدولة يمكن تلخيصه في أن القائد
العظيم هو من يحرص على أن يكون أعدائه أقرب له من أصدقائه.
قدرة القائد على احتواء المختلفين معه تنعكس بشكل إيجابي على
إدارته للدولة، فالقائد الحكيم هو من يحافظ على أصدقائه وفي نفس
الوقت يحيط نفسه بالمختلفين معه مما يتيح له فرصة التعرف على
أفكار مختلفة عن أفكاره، كما يؤكد الفليسوف الروماني أن التكبر
والتعالي على المعارضين رفاهية لا يملكها القادة والزعماء.
والتعالي على المعارضين رفاهية لا يملكها القادة والزعماء.
المبدأ الخامس في فن إدارة الدولة هو مبدأ (الخطاب المقنع)،
وكان مرسي قد تعرض للكثير من الانتقادات بسبب
الخطب التي ألقاها على الشعب المصري منذ فوزه في انتخابات
الرئاسة، ولا يتعلق الأمر بمدة هذه الخطب التي كانت تمتد إلى ما لانهاية،
فاليس من المهم أن تظل لساعات ترتجل كلام لا معنى له، كما لا يتعلق الأمر
بمحاولة افتعال الشدة كأنتشاور بإصبعك في محاولة لتهديد من يستمع لك،
ولكن يتعلق الأمر بحسب الفيلسوف الروماني باحساس من يستمتع لك أنك تفهم ما تقول
فاليس من المهم أن تظل لساعات ترتجل كلام لا معنى له، كما لا يتعلق الأمر
بمحاولة افتعال الشدة كأنتشاور بإصبعك في محاولة لتهديد من يستمع لك،
ولكن يتعلق الأمر بحسب الفيلسوف الروماني باحساس من يستمتع لك أنك تفهم ما تقول
وقادر على تنفيذه وإلا تحول خطابك إلى مجرد عبارات جوفاء خالية
من المعنى. ويضيف شيشرون أن من الضروري أن يتمتع الزعيم
بالقدرة على التحدث بشكل مقنع للحشود سواء الكبيرة والصغيرة،
وبالقدرة على إلهام الشعب وتحفيزه.
ومن أقوال شيشرون الشهيرة أن البلاغة هي الضوء الذي يجعل الذكاء يشع.
المبدأ السادس هو "الحل الوسط"، بالنسبة إلى شيشرون فأن السياسة
هي فن الممكن وليست ساحة لقتال بين الأفكار المطلقة الغير قابلة
لإعادة التشكيل، القائد الحكيم هو الذي يدير الدولة من منطلق القدرة
على الوصل إلى حلول وسط لا تتعارض من القانون.
ومن مبادئإدارة الدولة الأخرى التي يشير إليها الكاتب هي قدرة الحاكم على التصدي
ومن مبادئإدارة الدولة الأخرى التي يشير إليها الكاتب هي قدرة الحاكم على التصدي
للفساد، خاصة الفساد بين رجال السلطة والحكم، ويرى شيشرون أن
الفساد هو السرطان الذي يقضي على أي نظام حكم وفسر الفيلسوف الروماني
الفساد بإساءة استخدام السلطة لتحقيق مصالح شخصية. كما تعرض
الكتاب لإدارة الحاكم للجيش، وأعتبر أن شن الحرب لحماية البلد،
دعم الحلفاء، أو الحفاظ على شرف الوطن هي أسباب مقبولة لشن
الحرب ولكن أكثرها إلحاحا هو الحفاظ على شرف الوطن.
سقوط الدولة
عاش شيشرون في وقت بدأت فيه الحريات القديمة
التي عرفتها الحضارة الرومانية في الاختفاء في ظل
انفراد يوليوس قيصر بالحكم بفضل الانتصارات العسكرية
التي كان يحققها والتي شجعته على السيطرة بمفرده على
إدارة البلاد. ولهذا كتب الفيلسوف الروماني أن سيطرة شخص
واحد على الحكم بمثابة دعوة للخراب وسيؤدي في النهاية إلى
كارثة لأن الانفراد بالحكم يؤدي في النهاية إلى افساد الحاكم
مهما كان هذا الحاكم يتمتع بقدر كبير من الأخلاق.
وإذا طبقنا نظرية شيشرون على الوضع المصري في عهد لإخوان فأن الانفراد بالحكم
الذي تحدث عن شيشرون منذ عشرات القرون لم يعد يقتصر فقط
على شخص الرئيس أو القائد وأنما يمتد لفكرة الفصيل الذي يريد بمفرده
أن يسيطر على كل شيئ، خاصة أن جماعة الإخوان تتميز ولعل هذه هي
الميزة السياسية الوحيدة لها أنها تتحرك ككتلة واحدة يحكمها مبدأ السمع والطاعة.
في النهاية قد نتفق أو نختلف مع آراء الفيلسوف الروماني شيشرون
ولكن يبقى في النهاية التأكيد على أن مثل هذا الكتاب وغيره من الكتب
التي تتعرض لكيفية إدارة الدولة هي مصادر مهمة على كل القوى السياسية
الإطلاع عليها لمعرفة كيف تدار الأوطان، فهناك فرق كبير بين المعارضة
والحكم، وبين الفوزفي صندوق الانتخابات والكفاءة في إدارة الدولة،
وكما قال شيشرون "الضربات المتواصلة ولو بأصغر بلطة كفيلة
بأن تحطم أضخم الأشجار، وإذا كانت جماعة الإخوان كانت تعتقد أنها تنظيم قوي
تمتد جذوره لأكثر من ثمانين عاما فأن تلك السقطات المتوالية
وإن بدت صغيرة وغير مهمة في أعين قيادات الجماعة، وهي
ليست كذلك، فأنها كانت قادرة في النهاية على اسقاط الإخوان.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق