الأحد، 23 فبراير 2014

داليدا: بين حب الحياة ومطاردة الموت

داليدا: بين حب الحياة ومطاردة الموت

مع كارلو حب المراهقة عرفت حجم تأثيرها على الرجال 

مع الرئيس الفرنسي فرنسوا ميتران عرفت طعم التخلي عنها ومع كل عشاقها أدركت أن الموت أقوى من الحب


كتبت مي سمير 
مثل الحب لعب الموت دور البطولة في حياة داليدا،وبين الإثنين عاشت داليدا حياة
 عرفت فيها طعم النجاح والشهرة والنجومية، ولكنها ظلت تبحث عن حب حقيقي
 وفي كل مرة كانت تقترب من الوصول إليه كانت تجد الموت ينتظرها ليأخذ منها
 أغلى شيئ في حياتها حبيبها. في ذكرى مرور 25 عاما على رحيل داليدا نجمة
 الغناء المصرية التي حققت نجاح عالميا، نشرت مجلة باري ماتش تحقيق خاص
 انفردت فيه بصور وقصص من حياة داليدا، وألقت الضوء على بعض أسرار
 الحياة الخاصة لداليدا والتي يحتفظ بها شقيقها الأصغر ومنتج أعمالها 
أورلاندو والذي كشف في حواره مع باري ماتش عن الوجه الذي لا يعرفه
 أحد  لداليدا معشوقة الفرنسيين. 
بدأت باري ماتش التحقيق بمشهد فاصل في حياة داليدا عندما انتظرت لنصف
 ساعة في مطار أورلي وعندما تأكدت أنها طائرتها المتجهة إلى تورينو قد
 أقلعت، ذهبت إلى الحمام لتضع إيشارب على رأسها و نظارة سواء تخفي
 ملامحها حتى لا يتعرف عليها أحد ثم اتجهت خارج المطار لتأخذ تاكسي
 وطلبت منه الذهاب إلى فندق "برنس ويلز" في باريس والقابع في شارع
 جورج الخامس. في الفندق أعطت لموظفة الاستقبال أسمها الحقيقي يولاند
ا جيجليوتي وطلبت عدم إزعاجها، وفي داخل غرفتها كتبت ثلاثة خطابات،
 الأول لوالدتها، والثاني لزوجها السابق كوريس لوسيان، والأخير لجمهورها.
 كانت تعلم أنها على وشك انهاء حياتها ولكنها  كانت هادئة، فقد استلقت على
 السرير بعد تناول كمية هائلة من المهدئات وانتظرت الموت وفي عقلها جملة
 واحدة "لوجي حبيبي لقد عدت وسوف أعثر عليك" كانت هذه هي محاولة
 الانتحار الأولى التي أقدمت عليها داليدا في عام 1967، وهي المحاولة التي
 فشلت بعد أن شكت إحدى عاملات النظافة في أن هناك شيئ ما يحدث في
 هذه الغرفة التي سيطر عليها الصمت الكامل رغم وجود سيدة بها، ليتم اقتحام
 الغرفة وانقاذ داليدا وإعادتها مرة أخرى للحياة.

كانت هذه هي المرة الأولى التي تتذوق فيه طعم الانفصال عن الحياة، 
 ولكنها لم تكن المرة الأولى التي تواجه فيها الموت وجها لوجه.  قبل محاولة
 انتحارها بشهر، وأثناء مشاركتها في مهرجان سان ريمو، انتحر حبيب
 داليدا المغني والملحن الإيطالي لوجي  تنكو بإطلاق رصاصة على رأسه
 بعد أن فشلت أغنيته مع داليدا "وداعا حبيبي وداعا" في الوصول إلى النهائيات.




في كتابه "ليلة سان ريمو"  يؤكد الصحفي فيليب رونيل أن الغموض يسيطر
 على حادثة انتحار لوجي  تنكو، فلا أحد يعرف ماذا حدث بالتحديد في تلك
 الليلة، والشيئ الوحيد المؤكد أن داليدا هي من عثرت على الجثة في مشهد
 لا يقل دراما عن مشهد محاولة انتحارها.  فقد أصيب لوجي بحالة غضب شديد
 بسبب استبعاد أغنيته وبدأ في تناول الكحوليات ليدخل في مشاجرة مع داليدا
 ليعود إلى الفندق بمفرده. في صباح اليوم التالي تذهب داليدا إلى غرفة حبيبها
 لكي تصالحه  في المقابل وجدته مستلقي على الأرض فأعتقدت أنه نائما،
مما دفعها لكي تقترب منه وتستلقي بجواره، وبدأت تداعب شعره وتضع
 وجه بين يديها  لتفاجأ بالدماء تغطي  حبيبها وتغطيها، تصرخ النجمة
 بعد اكتشفها الحقيقة لقد رحل حبيبها وانتهى كل شيئ.  
قبل انتحاره ترك لوجي تنكو رسالة وداع كتب فيها "  أفعل هذا ليس لأنن
ي تعبت من الحياة ولكن لكي أعترض على جمهور يرسل أغنية مثل
 "أنا وأنت والزهور" إلى النهائي".

بعد وفاة لوجي تنكو وطوال الأربعة أسابيع التي سبقت محاولاتها
 هي نفسها للانتحار كانت داليدا تتصرف وكأنها إنسان آلي، تجرى
 مقابلات تلفزيونية، تسجل أغاني، تذهب إلى إيطاليا لزيارة أشقاء لوجي،
 كانت تحرص على زيارة قبره ووضع الزهور والبقاء لفترة تتحدث معه،
 وفي إحدى المرات قالت للسكرتيرة الخاصة بها وابنة خالتها روزي
 "انظري هناك مكان بجواره"، والمؤكد أن هذه الحادثة غيرت شكل حياة
 هذه المغنية الأسطورية، لقد بقيت على قيد الحياة ولكنها لم تعد كما كانت
 من قبل، لم يعد هناك وجود لداليدا المتوجهة والمفعمة بالحياة والسعادة،
 شيئا ما تغير.

لكن ما هي قصة داليدا قبل محاولة الانتحار الفاشلة؟ كيف صنعت
 هذا النجاح الأسطوري وملكت قلوب الجمهور في مختلف أنحاء العالم؟
 من هي كليوباترا الشقراء كما وصفتها المجلة الفرنسية؟  هي يولاند
ا جيجليوتي الفتاة ذات الأصول الإيطالية التي ولدت في مصر أرض
 الفراعنة، والدها بيترو جيجليوتي عازف الكمان الرئيسي في أوبرا القاهرة،
 أما والدتها فكانت مشغولة بتربية أطفالها الثلاثة، الأكبر أورلاندو الذي
 تزوج وانجب طفلين أطلق عليهما لوجي وروبرتو، يولاندا أو داليدا
 التي ولدت في 17 ينايرعام 1933، أما أصغر الأبناء برونو أورلاندو
 فقد أصبح فيما بعد منتج أعمال داليدا ومخزن أسرارها. 

عاشت داليدا حياة بسيطة وسعيدة في حي شبرا بين المسيحين والمسلمين،
 بين تفاصيل الثقافة العربية وملامح من الحياة الإيطالية.  ولكن هذه الذكريات
 الجميلة تحمل ذكرى مؤلمة عندما كانت داليدا في  الثانية من عمرها
 حيث أصيبت بإلتهاب في العين، وأمر الطبيب المعالج بربط عينيها
 طوال أربعين يوما حتى يذهب الإلتهاب، ولكن الفتاة الصغيرة لم
 تكن تتوقف عن محاولة إزالة الرباط الذي يحيط بعينيها وجعلها تعيش
 في الظلام، مما دفعه والديها لربط معصميها أيضا لمنعها من
 فك الرباط، وخلال هذه الفترة التي كانت أشبه بالجحيم كانت 
داليدا لا تهدأ إلا إذا استمعت للموسيقى وألحان كمان والدها. 

عندما رفع الرباط كانت العين قد تضررت بالفعل وأجريت لها
 عملية لمحاولة إصلاح التلف، وإضطرت داليدا إلى استخدام نظارة
 ضخمة حتى تستطيع أن ترى، وفي الثانية عشر من عمرها 
أجريت لها عملية أخرى. ظلت داليدا مضطرة لارتداء نظارة لتجد نفسها 
عرضة لسخرية زملائها في المدرسة الذين كان يطلقون عليها
 "ذات العيون الأربعة". في إحدى المرات اقترحت عليها صديقتها
 ميرندا بالتخلص من النظارة العملاقة التي تخفي وجهها، وبالفعل 
جربت داليدا وتخلت عن النظارة، لتكتشف أنها ترى صورة غير واضحة،
 ولكنها قررت أن تتخلى عن النظارة نهائيا طالما أنها ترى ولو صورة
 غير واضحة.  في تلك الفترة عاشت داليدا وهي في الخامسة عشر 
من عمرها أول قصة حب في حياتها مع كارلو ذو العيون الزرقاء،
 كان الحبيبان يكتفيان بتبادل النظرات، ففي تلك السنوات التي تلت
 الحرب العالمية الثانية  وفي مجتمع إيطالي يعيش في أجواء شرقية،
 كانت النظرة في حد ذاتها خطوة لا يجرأ عليها الكثيرين. 
 مع كارلو تعرفت داليدا على أول لمحة من لمحات أنوثتها،
 وبدأت في تلك اللحظة مشوارها كرمز للجمال والإغراء. 

مع ملامحها الجميلة وبشرتها الخمرية وجسدها الممشوق
 أدركت داليدا أنها تملك القدرة على جذب الرجال إليها، لكنها فقدت
 هذه الثقة في بداية رحلتها لباريس عام 1954 عندما قررت الذهاب لعاصمة النور
 لكي تلاحق حلمها في تحقيق الشهرة العالمية.  
البداية لم تكن سهلة والحلم كان يبدو بعيدا ومن الصعب تحقيقه.
 كانت داليدا تقيم في فندق متواضع بشارع جون- رو ميرموز،
 تقضي أيامها تتنقل بين الاستديوهات في محاولة العثور على
 فرصة تبدأ بها مشوارها  نحو النجاح،  في نفس الفندق
 كان يقيم شاب يسعى هو الآخر لتحقيق النجاح في عالم السينما
، وكما جمع بينهما الفندق ومشوار البحث عن فرصة، جمعت
 بينهما قصة حب سرية انتهت سريعا لتحل محلها صداقة طويلة
 جمعت بين داليدا وآلن ديلون النجم الفرنسي الشهير الذي
 غنى مع داليدا بعد عشرين عاما من قصة حبهما الأغنية
 الشهيرة "كلمات كلمات" والتي حصدت جائزة الإسطوانة الذهبية

 في فرنسا واليابان.



جمالها لم يفتح لها أبواب السينما ولكن صوتها الجميل والقوي
 هو ما منحها الفرصة التي طالما حلمت بها، أتت الفرصة على
 يد لوسيان موريس مدير البرامج في إذاعة أوربا والذي ساهم
 في إطلاقها كواحدة من أهم نجمات الغناء من خلال الأغنية
 الشهيرة "بامبينو". خلال سنتين فقط وبفضل خبرة موريس في
 عالم الدعاية أصبحت داليدا أيقونة للغناء في فرنسا حيث سيطر
 صوتها وأغانيها على موجات المحطات الإذاعية الفرنسية. 
في عام 1961 وبعد أربع سنوات خطوبة تزوجت داليدا من 
موريس لوسيان الذي قالت عنه داليدا "هو الرجل الوحيد في حياتي"،
 ولكن بعد عدة شهور تركت داليدا موريس،  وظلت العلاقة بينهما
 قوية، فقد كان موريس أول الواقفين بجوارها بعد محاولة انتحارها
 الأولى عام 1967، وظل بجوراها في المستشفي إلى أن استعادت
 صحتها. ولكن موريس مكتشفها وحبيبها وصديقها قرر هو نفسه
 الانتحار عام 1971 ليترك الحياة وهو في بداية الأربعينات، 
ويترك بصمة حزن جديدة في حياة داليدا. 

عانت داليدا من الكثير في حياتها العاطفية، الكثير من الرجال الذين
 ارتبطت بهم كانوا إما غير متاحين، أو متزوجين، أو مشغولين عنها.
 الرئيس الفرنسي الراحل فرانسوا ميتران  ارتبط بداليدا ولكن
 بمجرد نجاحه في انتخابات الرئاسة في بداية الثمانينات انتهت
 العلاقة، فقد كانت المخابرات الفرنسية تشعر بالقلق من تلك
 العلاقة وتخشى من إمكانية الكشف عن غراميات الرئيس
 الذي كان يحمل أسم "ميمي المحب" في أروقة المخابرات.

في حواره مع مجلة باري ماتش أكد أورلاندو أن شقيقته لم تعرف السعادة
 في علاقاتها إلا مع آخر حبيب لها وهو الطبيب الفرنسي ريتشارد أنفاري،
 أما زوجها  لوسيان موريس فهو من وقع شهادة ميلادها الفنية
 وكان بالنسبة لها صورة للأب والصديق المخلص،
 وهو الرجل الوحيد الذي ندمت على تركها له، أما لوجي تنكو
 فقد عرفت معه داليدا  معنى الحب بجنون والدراما العاطفية.

في بداية حياتها الفنية كانت داليدا رمز للأنوثة والإغراء، 
ولكنها كانت تدرك أن بمرور الأيام لن تستطيع الحفاظ على تلك الصورة،
 ولهذا بدأت في البحث عن عقلها متناسية  الملامح الجميلة لوجهها
 والأنوثة الطاغية لجسدها، وبدأت في صناعة صداقة مع المفكرين
 والفلاسفة الفرنسيين وعرف منزلها في مونمارت نقاشات ثقافية وسياسية.
 خلال تلك المرحلة التي كانت تبحث فيها عن معنى أعمق لحياتها
 التقت بالفيلسوف البوذي أرنو ديجاردان وسافرت معه إلى الهند 
حيث بقيت هناك لعدة أشهر. ولكن أرنو ديجاردان شعر بالقلق عليها 
عندما بدأت في العزلة عن عالمها وألغت العديد من حفلاتها وفي لحظة
 صدق واجهها وقال لها " لقد خلقتي لكي تمنحي جمهورك السعادة".

لم تتذوق داليدا طعم السعادة التي منحتها لجمهورها طوال مشوارها الذي امتد
 لأكثر من ثلاثين عام، وفي 2 مايو عام 1987 كانت لحظة النهاية.
 لم يكن هناك أحد يشك أن داليدا يمكن أن تقدم على خطوة الانتحار
 من جديد، لقد كانت في وسط الآلاف من المشاريع، مسلسل تلفزيوني،
 مسرحية، جلسات تصوير ترتدي فيها أجمل الأزياء، كانت في قمة المجد.
 كانت في الرابعة والخمسين تتمتع بجسد لا يقاوم ومشوار فني متوهج
 بعد أن أثقلت موهبتها وجمالها بالثقافة والمعرفة. يبدو أن احساس
 داليدا بالتعاسة كان يمنعها من الاستمتاع بنجاحها، وفي تلك الليلة ألغت 
سهرة في المسرح، وتناولت كمية من المهدئات بعد أن كتبت رسالة وداع
 أخيرة " سامحوني ولكن الحياة لم تعد تحتمل".
رحلت داليدا تاركة سجل من الأغاني الشهيرة والناجحة وقائمة
 من الجوائر وشهادات التقدير من مختلف أنحاء العالم، كما تركت
 حياة عاطفية  درامية أشبه بالأساطير اليونانية القديمة، ويصف أورلاندو
 شقيقته بأنها كانت مغنية نجاحة ونجمة ذات جمال لا يقاوم ولكنها في نفس
 الوقت كانت امرأة تعيسة، السر وراء هذا الحزن قد يكون خيبات الأمل
 في علاقاتها العاطفية، أو الخوف من التقدم في العمر ، أو عدم انجاب
 أطفال، ولكن المؤكد أن الرجال في حياتها لم يتوقفوا عن حب داليدا
 بينما كانت يولندا هي من تحتاج الحب.


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق