صحافة العالم ترصد أوهام الخليفة أردوجان
كتبت مي سمير
تراود أحلام الخلافة الإسلامية تحت الراية التركية خيال رئيس الوزراء
التركي رجب طيب أردوجان الذي وصف الديمقراطية عندما كان
عمدة اسطنبول بأنها قطار يمكن مغادرته بمجرد الوصول إلى
الهدف. لكن أوهام الخليفة أردوجان تحطمت في اللحظة نفسها
التي أعتقد فيها أنه اقترب من تحقيق الحلم. بدت الخلافة
الإسلامية العثمانية وكأنها الجائزة التي تمنى أردوجان
أن يحصدها بعد ثورات الربيع العربي والتي دفعت
بتيارات الإسلام السياسي إلى صدارة المشهد، ولكن مع
سقوط نظام جماعة الإخوان المسلمين في مصر تحول
الحلم إلى سراب وتحول الحالم إلى شخص يهذي ويتخبط
وكأنه لم يستقيظ بعد من نومه. في هذا الاطار تعرضت الصحافة
الغربية لأوهام أردوجان بالخلافة وكيف تحطمت على أرض الواقع.
صعود أردوجان
نشرت الجريدة الأمريكية الشهرية ( ورالد أفايرز جورنال)
تقرير تحت عنوان (صعود وهبوط حلم أردوجان الكبير)
للباحثين هليل فرادكين ولويس ليبي في المعهد الأمريكي
هيدسون للدراسات السياسية. بدأ التقرير بالإشارة إلى أن
هناك حالة من عدم الاتفاق داخل تركيا حول أردوجان ،
فشخصية رئيس الوزراء التركي تتسم بالثقة في النفس
إلى درجة أن البعض يعتبره شخص متعجرف، ولهذا
فأن تركيا منقسمة حول أردوجان فالبعض يعتبره قائد
والبعض ينظر إليه بالكثير من الشك وعدم الثقة.
لقد بدأ أردوجان في الصعود بالمشهد السياسي التركي في
الوقت الذي نجحت فيه الأحزاب الإسلامية في حجز مكانة
لها في الحياة السياسية التركية المدنية. في بداية التسعينات
كان أردوجان واحد من رموز الإسلام السياسي في اسطنبول
إلى أن وصل لمنصب عمدة المدينة ونجح من خلال منصبه
في حل الكثير من مشاكل المدينة التي تؤثر على الحياة اليومية
للمواطنين كمشاكل الصرف الصحي والمياه والازدحام
المروري. في ذلك الوقت كان عضوا في حزب الفضيلة
الإسلامي الذي حكم لفترة وجيزة قبل أن يتم الاطاحة به
في انقلاب عسكري عام 1998 وفي تلك الفترة تعرض
للسجن بعد قيامه بإلقاء قصيدة أهان فيها الجيش التركي.
في عام 2001 أسس أردوجان حزب العدالة والتنمية والذي
فاز بثلاثة انتخابات برلمانية متتالية من عام 2002 إلى 2011.
خلال تلك الفترة لا يمكن لأحد أن ينكر الانجازات التي حققها
أردوجان خاصة فيما يتعلق بالنمو الاقتصادي، وخلال هذا
العقد من حكم أردوجان نجح الأخير في خطوات حذرة
ولكم مؤثرة في القضاء على القيود التي فرضتها دولة
أتاتورك العلمانية على تيارات الإسلام السياسي كما نجح
بشكل منقطع النظير في تقويض نفوذ الجيش والسلطة
القضائية اللذان كان بمثابة حراس لمدنية الدول التركية.
عكست خطوات أردوجان، من وجهة نظر الغرب، جهود نحو
دعم الديمقراطية في تركيا، حيث حرص رئيس الوزراء التركي
على التأكيد أن كل ما يقوم به هو من أجل دعم الديمقراطية
والتخلص من أي ملامح للسيطرة الجيش على الحكم، بل
اعتبر البعض أن ما يقوم به أردوجان هو من أجل دعم المشروع
التركي من أجل الانضمام للاتحاد الأوربي. بل أمتد البعض
إلى درجة الإشارة إلى أن أردوجان قدم نموذج للتوفيق بين
الديمقراطية والإسلام. كل هذا القراءات الأولى لسياسة
أردوجان اكسبته احترام دولي، بل أن الرئيس الأمريكي باراك
أوباما أعلن ان أردوجان هو واحد من خمس رؤساء تجمعهم به
علاقة صداقة وثقة. في نفس الاطار ومع بداية الأزمة السورية
عام 2011 صرحت هيلاري كلينتون وزيرة الخارجية
الأمريكية في ذلك الوقت أن الولايات المتحدة الأمريكية
سوف تحذو حذو تركيا في التعامل مع سوريا.
غرق أردوجان في عبارات الثناء وتذوق طعم إعجاب العالم به
إلى درجة دفعته لوصف انتصار حزب العدالة والتنمية في
انتخابات عام 2011 بأنه انتصار ليس فقط لتركيا ولكن للتراث
العثماني. تصريح يتماشى في سياقه مع تصريح سابق لأحمد داود
أوجلو وزير خارجية أردوجان في أكتوبر عام 2009 عندما قال
( كما حدث في القرن السادس عشر مع صعود العثمانيين،
فإننا سننجح من جديد في دفع البلقان والقوقاز والشرق
الأوسط في الاتحاد مع تركيا التي ستكون مركز لسياسة العالم
في المستقبل، هذا هو هدف السياسة الخارجية التركية وسوف
نحقق هذا الهدف).
الوجه المظلم
لكن بمرور الوقت بدأ الوجه الآخر لحقيقة أردوجان في الاتضاح
للعالم، وبدأت الشكوك تطفو على السطح حول مدى التزام
أردوجان بالديمقراطية. لقد ظهر الوجه المظلم لنظام أردوجان
الذي حاصر حريات الرأي والتعبير وتعرض منتقديه سواء
من الصحفيين أو أعضاء البرلمان للسجن لتنتشر ثقافة الخوف
في أوساط معارضي أردوجان.
بالإضافة إلى التهديدات الموجهة إلى حرية التعبير فقد ظهرت
الكثير من المخاوف حول طبيعة حكم أردوجان وخططه
المستقبلة، وانحصرت هذه المخاوف في ثلاثة قضايا محلية
هامة. أولا، خطواته المعادية والعنيدة للجيش التركي
والتي تضمنت في بعض الأحيان محاكمات طويلة جدا
والاستعانة بأدلة مزورة وهي الممارسات التي أسفرت
عن انتقادات من قبل الاتحاد الأوربي الذي كان متعاطف
في البداية مع محاولة أردوجان لكبح جماح الجيش.
ثانيا، محاولة أردوجان المستمرة لأسلمة الدولة التركية
خاصة في المدارس لتحقيق ما أسماه الجيل الديني الجديد،
والترويج لدولة تركية الدينية. ثالثا، محاولته لحل المعضلة
التركية طويلة الأمد المتعلقة بمطالب الأقلية الكردية بالاحترام
والحرية الثقافة، حيث انحصرت محاولات الحل بالتركيز على القيم
الإسلامية المشتركة التي تجمع الأكراد بالمسلمين في تركيا دون
تقديم حلول هيكلية حقيقية. نتج عن تجاهل تقديم حلول حقيقية
لمشكلة الأكراد إلى وصول الإرهاب الكردي في تركيا إلى
مستوى من العنف لم تشهده البلاد منذ أكثر من عقد. فقدت
الدولة التركية السيطرة على جزء كبير من جنوب شرق
تركيا الذي يعد معقل للأقلية الكردية التي تتراوح مطالبها
مابين المساواة إلى الحكم الذاتي. باختصار فأن هذه
المشاكل الداخلية أثارت الكثير من المخاوف
بشأن مدى التزام أردوجان الحقيقي بالعملية الديمقراطية.
وبحسب تقرير مجلة فورنت باج في تقرير تحت عنوان
(أوهام الخليفة) فأن قضية ميدان تكسيم كشفت هي
الأخرى ليس فقط عن الأساليب القمعية التي يتبعها
نظام أردوجان ولكن أيضا عن فساد هذا النظام في
ظل علاقته بعدد من رجال الأعمال الفاسدين بما
في ذلك زوج ابنته الذي يمتلك شركة البناء المسؤولة
عن مشروع ميدان تكسيم. وتضيف المجلة الأمريكية
أن هذه القضية كشفت عن الوجه القبيح والمستبد لنظام
أردوجان، والذي احتلت تركيا في عهده المرتبة الأولى
على مستوى العالم في عدد الصحفيين المسجونين.
عدم صدق أردوجان في التزامه بالعملية الديمقراطية
لا ينعكس فقط في المشاكل الداخلية ولكنه يتضح بشكل
أكبر في سياسته الخارجية. تحت نظام أتاتورك عزلت
تركيا نفسها عن الشرق الأوسط المضطرب وفضلت
الاقتراب من أوربا والعالم الغربي، ومع وصول أردوجان
إلى الحكم تغيرت هذه السياسة صوب الاتجاه المعاكس
لتعكس سياسة أردوجان حلم إحياء الخلافة العثمانية.
خارطة الخلافة
بحسب تقرير مجلة فورنت باج الأمريكية فأن رجب طيب
أردوجان لجأ إلى صديقه ووزير خارجيته أحمد داود أوجول
في وضع خارطة من من أجل تحقيق حلم الخلافة. تضمنت
هذه الخارطة أربع نقاط رئيسية، أولا إدارة العلاقات مع الدول
المجاورة وفقا لاستراتيجية ترفع شعار (لا صراع) من أجل بناء
علاقة قائمة على الصداقة والثقة مع دول الشرق الأوسط،
وهي الخطوة الرئيسية من أجل احكام السيطرة على المنطقة.
ثانيا، أن ينظر العالم الغربي إلى أردوجان باعتباره الوحيد
الذي يمتلك الصيغة السحرية القادرة على تحويل الإسلام المتشدد
إلى الديمقراطية الاسلامية، وهي خطوة هامة خاصة في مرحلة
ما بعد أحداث 11 سبتمبر. تم تقديم هذه الصيغة إلى الغرب
باعتبارها الوسيلة القادرة على تحويل تيارات العنف الإسلامي
بقيادة الإخوان المسلمين إلى العملية الديمقراطية السلمية.
وفي إطار حرصها على احتواء تيارات العنف الديني في الشرق
الأوسط سارعت الولايات المتحدة على تبني حلم أردوجان إلى
درجة أن واشنطن أشارت إلى تجربة أردوجان وحزبه باعتبارها
نموذج يحتذى به. ثالثا، تحقيق ازدهار اقتصادي كوسيلة من أجل
انشاء وتعزيز سلطة حزب العدالة والتنمية وفي نفس الوقت
تفكيك هياكل الدولة القديمة لصالح النموذج الجديد بمباركة
ودعم من العالم الغربي. اتبع أردوجان نهجين من أجل تحقيق
هذه الطفرة الاقتصادية، النهج الأول هو تشجيع الاستثمارات الغربية
في تركيا، والنهج الثاني هو العمل على زيادة حجم الصادرات التركية
إلى الدولة الاسلامية وكذلك جذب الاستثمارات العربية
والاسلامية. وبحسب التقرير فأن هذا الازدهار لا يعدو كونه
مجرد فقعة قد تنفجر في أي وقت ولكن هذا لا يمنع
أن هذه الطفرة الاقتصادية نجحت في توطيد أركان
حكم أردوجان. رابعا، العمل على تنفيذ استراتيجية تدعم وصول
حكم الإخوان في المنطقة وبالتعاون مع الغرب والولايات المتحدة
الأمريكية، هذه الاستراتيجية سوف تؤدي إلى سيطرة الإسلام
السياسي على المنطقة مما سيمهد الطريق لأردوجان لتحقيق حلم الخلافة.
نهاية الحلم
اقترب أردوجان من تحقيق حلم الخلافة مع ثورات الربيع العربي
ووصول الإخوان المسلمين للحكم في مصر وغيرها من دول الربيع
العربي. وكما تأتي الرياح بما لا تشتهي السفن قضت ثورات
الربيع العربي على حلم الخلافة العثمانية الذي تحول إلى كابوس
قد ينتهي بسقوط نظام أردوجان نفسه. بحسب الباحثين هليل فرادكين
ولويس ليبي فأن سقوط حلم الخلافة لا يرجع فقط إلى أن
الدول العربية وعلى رأسها الدول الكبرى مثل مصر والسعودية
غير متلهفة للدخول في الحظيرة العثمانية ولكنه يرجع أيضا
إلى أن سياسة أردوجان عكست تناقضات غير مفهومة.
حلم أردوجان بالخلافة العثمانية التي تضم بين أركانها الدول
الإسلامية السنية يتعارض بالتأكيد مع سياسة أردوجان في
بداية حكمه الداعمة للنظام الإيراني والمعارضة للمحاولات
الغربية لإيقاف البرنامج النووي الإيراني. وعندما وصلت
رياح الربيع العربي لسوريا حرص أردوجان في البداية على
الدفاع عن نظام بشار الأسد، وأعلن أردوجان موافقة نظام الأسد
على إجراء إصلاحات، ولكن مع زيادة العنف في سوريا وظهور
أردوجان في صورة لاعب لا قيمة لاقتراحاته على الساحة
السورية، حاول رئيس الوزراء التركي البحث عن دور ريادي
ولهذا انتقل إلى الجهة الأخرى في الصراع السوري واستضافت
تركيا المجلس الوطني السوري وهو الكيان الذي يزعم أنه يمثل
التيارات المعارضة لنظام الأسد على الرغم من سيطرة جماعة
الإخوان السورية عليه وقد تم استبدال هذا الكيان فيما بعد بمجلس
آخر يحظى بالاعتراف الدولي، وفي نفس الوقت سخرت إيران
من جهود أردوجان في سوريا ووصفته بأنه مجرد لعبة في يد
الغرب وإسرائيل. شكلت الأزمة السورية أكبر مثال على اهتزاز
سياسة أردوجان في الشرق الأوسط والذي يبدو أنه يبحث عن لعب
أي دور حتى لو كان هذا الدور غير مطلوب. في البداية دعم الأسد
وعندما تجاهل الأسد اقتراحاته دعم المعارضة لينتهي به الأمر إلى
درجة الصدام المباشر مع النظام السوري عندما تبادلت القوات التركية
إطلاق النار على الحدود مع الجيش السوري، وفي أعقاب هذه المواجهة
طالب أردوجان بعقد اجتماع عاجل لحلف الأطلنطي واللجوء إلى أحكام
الدفاع المشترك. واليوم يستقبل أردوجان على الأراضي التركية
بطاريات صواريخ باتريوت الأمريكية والتي يحرسها جنود أمريكان،
هولنديين،وألمان. لقد كشفت الأزمة السورية عن ضعف أردوجان
وانعكست سلبا على صورته ليس فقط داخل تركيا ولكن أيضا
في مختلف أنحاء العالم. بحسب التقرير فأن جزء كبير من الشعب
التركي يعارض سياسة أردوجان في سوريا، ولا تقتصر حالة عدم
الرضا على أحزاب المعارضة فقط ولكن أيضا المؤيديين لأردوجان
يعارضون سياسته في الشرق الأوسط. أما الغرب فقد اكتشف أن
الحماس الكبير للنموذج التركي ما هو إلا حماس سابق لأوانه
وغير ناضج تماما مثل سياسة أردوجان. وبحسب مجلة فورنت باج
فأن سقوط نظام محمد مرسي في مصر وضع نهاية لحلم
أردوجان المحاط بشائعات اصابته بالسرطان والذي كان
يتمنى أن يصبح الخليفة قبل أن يموت, وبالتالي فأن رد فعله
المعارض للإطاحة بمحمد مرسي هو أمر طبيعي لرجل كان يعتقد
أن سيكون الخليفة واكتشف أنه لا يملك سوى سراب.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق