الخميس، 4 أغسطس 2011

قصة آن باترسون السفيرة الأمريكية الجديدة لمصر

أم اس ان بي سي: تكشف أسرار سلاح أوباما السري لمصر
بمكياجها البسيط الذي يعتمد على أحمر الشفاه الشاحب ومانيكير بيج ، مع وشاح من الأزهار المطبوعة المربوط بشكل فضفاض حول عنقها ، تبدأ آن باترسون مشوار اثبات وجودها في مصر كسفيرة للولايات المتحدة الأمريكية. عندما كانت باترسون سفيرة للولايات المتحدة الأمريكية في باكستان تصدت السفيرة الأمريكية للجنرالات في بلد وصفته بأنه في حالة تمرد محلي محتدم.
يوم الخميس الماضي قال الاميرال مايك مولين رئيس هيئة الأركان المشتركة انه يعتقد أن مسؤولين باكستانيين وقعوا عقوبات في قضية مقتل الصحفي الذي كتب عن الجيش، ومن جانبها عبرت باترسون عن غضبها الشديد مما حدث.  هذه الأجواء المضطربة في باكستان جعلت من باترسون الاختيار الأمثل من وجهة نظر إدارة الرئيس الأمريكي أوباما من أجل مواجهة الأوضاع في مصر.
وصفت نانسي سودبرج الدبلوماسية السابقة رفيعة المستوى في الأمم المتحدة موقف باترسون قائلة "هي تتجه من الرماد إلى النار". تبدأ باترسون مهامها الجديدة في مصر هذا الشهر، وتعترف بأن التوقعات لما سيحدث في مصر مرتفعة للغاية  سواء في واشنطن أو خارجها، إذا سارت الأمور على خير ما يرام سوف تشهد السفيرة الأمريكية التحول الديمقراطي لدولة كافحت كثير من أجل هذه اللحظة، وإذا سارت الأمور بشكل سيئ فأن باترسون سوف تواجه وضع ليس بالجديد عليها.
بعد ثماني شهور من مغادرة إسلام إباد وبمهمة جديدة في الأراضي المصرية، بدأت التحليلات لمهمتها في باكستان حيث نجحت باترسون في مواجهة الجنرالات خلال ثلاث سنوات قضتهم كسفيرة للولايات المتحدة الأمريكية، فمن غير الواضح مدى استعدادها للوقوف مع عملية الانتقال الديمقراطي، يحتل هذا السؤال أهمية خاصة وهي في طريقها القاهرة التي أصبحت مركز للحركة الديمقراطية في العالم العربي وحيث تردد أوباما والبيت الأبيض كثيرا من أجل التدخل.
مثل أغلب الدبلوماسيين تجد باترسون نفسها في بعض الأحيان على الجانب الصحيح من التاريخ وفي أحيان أخرى تقع في الجانب الخطأ. زلة بسيطة ارتكبتها باترسون كانت سببا في تغيير مسار التاريخ،   في أكتوبر عام  2007 هجم الإرهابيين على موكب مرشحة رئاسة الحكومة بينظير بوتو مما أسفر عن مقتل أكثر من 130 شخصا، وبعد ذلك بعدة أيام اتجهت باترسون لزيارة بوتو بمنزلها في كراتشي، وطلبت بوتو من السفيرة الأمريكية توفير حماية شخصية لها ولكن باترسون رفضت، وأوضحت أن الولايات المتحدة الأمريكية توفر الحماية في بعض الأحيان للقادة الأجانب ولكن ليس أثناء خوض الحملات الانتخابية. بعد تسعة أسابيع تم اغتيال بوتو. يعلق مارك كوراترمان الذي ترأس فريقا للأمم المتحدة حقق في عملية اغتيال بوتو بأن الحماية الأمنية التي تم توفيرها لبوتو كانت سيئة للغاية ومهملة. عندما سألت باترسون عن قرارها بعدم توفير الحماية لبوتو أكدت السيدة الأمريكية بأنها لا تشعر بالندم. الكثير من المحللين يؤكدون أن القرار بعدم توفير الحماية لبوتو كان قرار خطأ، وأضافوا أن تصريحات باترسون بأن الولايات المتحدة يجب أن تبتعد عن السياسة الداخلية للدول الأخرى هي تصريحات مخادعة. في إحدى وثائق ويكليكس التي يعود تاريخها إلى مارس 2009 ، أكدت باترسون لزعيم سايسي مسلم في باكستان أراد الحصول على دعم الولايات المتحدة الأمريكية بأن بلادها لا تتدخل في شئون الدول الأخرى الداخلية، وعندما طلب منها التعليق على تلك البرقية اكتفت باترسون بالتأكيد في تصميم عدم رغبتها التعليق على وثائق ويكليكس.
يقول خبراء السياسة الخارجية أن السياسة الخارجية تسمح للأشخاص والدول الكذب بشأن بعض المبادئ، وفي تلك الحالة فأن باترسون قامت بحماية المصالح الأمريكية. ويشير المحللون السياسيون أن باترسون تمتلك تلك الخبرة في تمثيل دولة كبرى وفي حماية مصالح نلك الدولة بذكاء وفطنة، مما يجعلها سفيرة من طراز فريد تستطيع مواجهة الكثير من المواقف الصعبة عندما تتعرض الولايات المتحدة للانتقادات. ولا تتمتع باترسون بشخصية عنيدة فهي تدافع عن مواقفها وفي نفس الوقت تؤكد بدبلوماسية العواقب السيئة الناتجة عن بعض القرارات كما أكدت أن اغتيال بوتو كان خسارة كبيرة.
باكستان كانت دائما حليف الولايات المتحدة النووي الذي يتصرف بشكل مستمر كعدو، ولهذا شكلت باكستان تحدي كبير للسياسة الخارجية الأمريكية حيث لعبت المخابرات المركزية الأمريكية دور كبير في تهدئة الأوضاع. تعترف باترسون بأنها اعتمدت على المخابرات الأمريكية في باكستان كما أكدت في مؤتمر استضافته مركز الأمن الأميركي الجديد في واشنطن الشهر الماضي حيث صرحت قائلة "أن برنامج الولايات المتحدة الاستخباراتي شهد نجاح في باكستان". ومن المعروف أن العمليات المخابرات الأمريكية في باكستان كانت سبب في خلق أعداء للولايات المتحدة الأمريكية وفي صنع خلافات ومشاكل في باكستان، ولكن باترسون عبرت عن امتنانها للمخابرات الأمريكية مما جعلها عرضة للانتقادات.
خدمت باترسون في السلفادور في منتصف التسعينات أثناء حرب المخدارت، وفي كولومبيا مع الألفية الجديدة، وقد ساعدتها خبرتها الكبيرة في إدارة الأمور في إسلام أباد  حيث تجرى عمليات المفاوضات والمسدسات موجهة على رأس الجميع.
يصفها فالي ناصر مستشار سابق للمبعوث الخاص لأفغانستان وباكستان قائلا "هي سيدة صغيرة الحجم ومن الممكن التقليل من أهميتها ولكن الباكستانيين أدركوا أنها صارمة كالمسمار".
المحللة السابقة في المخابرات الأمريكية تصفها بأنها لديها قدر من التواضع يجعلها قادرة على التلاعب بالناس كما تريد في الوقت الذي يعتقدوا فيه العكس.
تخرجت باترسون من كلية ولسلي، تبلغ من العمر 61 عاما، مشهور بقدرتها على قراءة الناس والعمل بجدية، في إحدى المرات سهرت للثانية صباحا من أجل المتابعة مع الرئيس الأمريكي بشأن تطور الأوضاع في باكستان ثم استيقظت في موعدها المعتاد وبدأت عملها في نشاط لتلحلق بموعد على الافطار مع عضو في مجلس العلاقات الخارجية.
وتتبع باترسون سياسة أن السفير الناجح عليه أن يعيش في البلد الذي يمثل وطنه فيه، والمقصود بالعيش هو الخروج بعيدا عن أسوار السفارة والتحرك بين أرجاء الدولة والتعرف على شعبها ومعالمها المختلفة. وكما يؤكد فالي ناصر فقد نجحت باترسون في صنع علاقات قوية داخل باكستان وكان الكثيرون يتمنون استمرارها في موقعها، والكثير من الخبراء السياسين يروا أن السياسية الأمريكية في باكستان على المحك منذ مغادرة باترسون. لقد نجحت السيدة الأمريكية في التقرب من عناصر الجيش الباكستاني وصنعت صداقة مع الجنرال أشفق برفيز كياني ، رئيس الجيش الباكستاني كما تؤكد إحد وثائق ويكليكس. بل أن أحد الدبلوماسيين يؤكد أن السفيرة الأمريكية كان كتف يبكي عليه قائد الجيش في باكستان. ولكنها في نفس الوقت حافظت على المساحة التي تساعدها على إدارك متى يقدم الجنرال وعود غير حقيقية بشأن الديمقراطية من أجل اسعاد الجمهور الذي يستمع إليه.
مع مهمتها القادمة في مصر تتمنى باترسون أن تساعدها خبرتها السياسية ولغتها العربية التي كانت تجيدها في الثمانينات من القرن الماضي لكي تنجح في عمليها كسفيرة أمريكا في مصر بتلك المرحلة الحاسمة. سوف تعمل على تحديث برنامج المعونة الأمريكية في مصر بمجرد وصولها، والأهم أنها سوف تحافظ على تفاؤلها في التعامل مع مصر...تفاؤل قد تحتاجه مصر.
مي سمير

هل ستظل مصر دولة عسكرية؟


يجد الليبراليون واليساريون أنفسهم في حلقة مفرغة سلبية، بالتركيز على لعبة قصيرة المدى على حساب التحضير للانتخابات

لحين اجراء الانتخابات، من المرجح أن نشاهد المزيد من الاستقطاب بين الجيش والمعارضة واستقطاب داخل المعارضة بين الاسلاميين والقوى الليبرالية الناشئة حديثا

المشهد السياسي المصري يبدو منقسم تسيطر عليه حالة من الخوف وعدم اليقين.

طرحت الدورية السياسية الأمريكية ناشيونال انترست سؤال هل ستظل مصر دول عسكرية؟ وترى المجلة أن مصر لاتزال تخضع للحكم العسكري الذي كان لفترة طويلة العمود الفقري لنظام مبارك. ولكن هذا الوضع كان سببا في خروج الآلاف عشرات الالاف للاحتجاج في انحاء البلاد منذ يوم 8 يوليو ،بسبب الإحباط من أداء النظام العسكري وعدم تحقق  الأرباح الثورية . خرج المتظاهرون الذين يمثلون مجموعة واسعة من الفصائل، من الحركات الشبابية الليبرالية إلى انبعاث السلفيين ، للتعبير عن غضبهم إزاء تباطأ الجيش.

لكن نتائج المظاهرات التي بدأت في 8 يوليو أظهرت مرة أخرة الطبيعة الخاطئة لعملية التحول في مصر.  في اليوم التالي ، ظهر رئيس الوزراء عصام شرف على شاشة التلفزيون واعدا بتطهير الشرطة من جميع الأشخاص المشتبه في قتلهم متظاهرين خلال انتفاضة ال 18 يوما في البلاد (واحد من مطالب المعارضة الرئيسية). هذا يعني أن المظاهرات أدركت تأثيرها القوي وأن التغيير ممكن ولكن الأولوية يجب أن تكون في القضاء على "بقايا مبارك" وليس على عملية الانتقال الديمقراطي.

ويبدو أن الطريقة الوحيدة الصالحة لمساءلة الجيش هي اللجوء لميدان التحرير.لقد تحقق مطالب محاكمة مبارك وأسرته، محاكمة مسئولي النظام السابق و تطهير جهاز أمن الدولة عن طريق الضغط الجماهيري في ميدان التحرير.وترى المجلة أن مصر لم تشهد ثورة ثانية ولكن احتجاجات لاستكمال الثورة الأولى،  ولكن مع بقاء الوضع على ما هو عليه فمن غير المحتمل أن تشهد مصر ثورة ثانية. هذا هو الشكل الجديد في مصر، المتظاهرون يحتجون والنظام يضمن مزيد من الامتيازات.  المتظاهرون يحتجون من جديد وهلم جرا.

إذا كانت المشكلة تكمن في الجيش ( كما تعتقد أغلب قوى المعارضة)، فالحل بسيط وواضح  وهو العودة للثكنات. الغريب، أن الكثير من القوى الليبرالية واليسارية الذين شاركوا في المظاهرات كانوا من ضمن الذين أيدوا توجه الدستور أولا، وهذا يعني تأخير الانتخابات البرلمانية في سبتمبر وهذا يعني بقاء الجيش لفترة أطول في الحكم.  من بين أمور أخرى ،  تعتقد هذه القوى انهم بحاجة إلى مزيد من الوقت من أجل التنظيم للتصدي لصعود الإخوان المسلمين وأعضاء الحزب الوطني الديمقراطي السابقين.

يجد الليبراليون واليساريون أنفسهم في حلقة مفرغة سلبية، بالتركيز على لعبة قصيرة المدى على حساب التحضير للانتخابات. في الواقع لحين اجراء الانتخابات، من المرجح أن نشاهد المزيد من الاستقطاب بين الجيش والمعارضة ، واستقطاب داخل المعارضة بين الاسلاميين والقوى الليبرالية الناشئة حديثا. أكثر من أي شيئ، هذا يعتبر صدام المنافسة التي تتحول بسرعة إلى صراع. أن الجيش يؤكد أنه يحافط على الثورة بضمان الاستقرار ولو على حساب الحرية.  الليبراليون الذين لعبوا دور بارز في اسقاط مبارك يشعرون أن أفكار الثورة لا تتحقق على أرض الواقع. في تلك الأثناء تستخدم جماعة الإخوان المسلمين تاريخها السياسي ودورها في الثورة للدعاية لنفسها.
هذه المنافسة لا مفر منها، فمن الصعب استمرار المشهد الرائع من الوحدة والتضامن الذي ميز أول 18 يوما في ميدان التحرير حيث جمعت الكراهية للرئيس مبارك المعارضة معا. وتلاقت مصالح المعارضة ولوفترة وجيزة مع مصالح الجيش، لكن اليوم وبعد مرور خمسة أشهر من الشعار الشهير "الجيش والشعب إيد واحدة" فأن المشهد السياسي المصري يبدو منقسم تسيطر عليه حالة من الخوف وعدم اليقين.

سوف تزداد حدة المنافسة  بين كل هذه التيارات على النفوذ والسيطرة على ثورة لم تنتهي بعد. وأظهرت الاحتجاجات الضخمة  الأخيرة بأن عددا متزايدا من المصريين غير راضين عن إدارة البلاد العسكرية. مادام الجيش يتفاعل بشكل غير سليم مع استمرار الثورة، مادام لم يضع نهاية لحالة الطوارئ ، وتفكيك النظام القديم ، ووضع حد لاستخدام المحاكم العسكرية والمواطنين ، سوف تستمر المظاهرات في التحرير. ولكن علينا أن نتذكر أنه على الرغم من الجهود التي يبذلها المعتصمين في ميدان التحرير، فإن التغيير السياسي الحقيقي والدائم لن يأتي على الأرجح من خلال المزيد من الاحتجاجات الجماهيرية ، ولكن بالتأكيد من خلال صناديق الاقتراع الأقل بريق.
مي سمير

الطريق إلى ومن ميدان التحرير(ورقة بحثية حول مستقبل مصر بعد الثورة)

الطريق إلى ومن ميدان التحرير(ورقة بحثية حول مستقبل مصر بعد الثورة)

رسم طارق مسعود أستاذ العلوم السياسية في جامعة هارفاد والباحث في معهد كارنيجي الدولي، مستقبل مصر بعد الثورة في ورقة بحثية نشرتها دورية "جريدة الديمقراطية" الأمريكية الشهيرة تحت عنوان الطريق إلى ومن ميدان التحرير. تحمل السطور التالية عرض لجزء من هذه الورقة البحثية,
وتحت عنوان سراب السلطوية القابلة للاحتمال، كتب مسعود أن عدم القدرة على رؤية الثورة الوشيكة  يولد مع الطبيعة البشرية . نحن نتوقع أن  الأشياء التي حدثت في الماضي سوف تحدث في المستقبل. تقريبا كل صحفي أجنبي زار مصر في السنوات القليلة الماضية، لاحظ العلامات التي تشير لسقوط النظام الوشيك. ولكن على الرغم من وضوح تلك العلامات إلا أن أغلب المصريين بما في ذلك المثقفين استبعدوا إمكانية حدوثه.  أن فرضية إمكانية سقوط النظام تبدأ عندما تشهد النخبة الحاكمة تمزق، ولكن نظام مبارك نجح في استخدام آليات تساعده على إدارة تلك التمزقات أو تفاديها من البداية. لم يكن من الصعب التعرف على تلك الآليات، حدد الباحثين اثنين من المؤسسات السياسية المزيفة،ساهمت تلك المؤسسات في إطالة عمر نظام مبارك، الحزب الديمقراطي الحاكم و مجلس الشعب. هذه المؤسسات كان يفترض أن تلعب دور في منع الصراعات بين النخبة من خلال الحرص على تسوية المنازعات بين أنصار النظام وعن طريق توزيع ثمار الفساد بين هؤلاء المؤيدين للنظام دون الحاجة للتحديد الفائز والخاسر في تلك الصراعات. لهذا تحول الحزب الوطني الحاكم الذي أسسه أنور السادات في عام 1978 إلى مجموعة من النخب الاقتصادية والسياسية مع رجال أعمال وأكاديمين طموحين وأركان النظام المخضرمين، الكل مجتمع تحت خيمة مبارك للمصالح المشتركة. من الممكن تماما، بل من المرجح أن بقاء نظام مبارك طوال هذه المدة ارتبط بالضمان والحفاظ على ولاء تلك النخبة. ولكن أسس مؤسسات هذا النظام السلطوي أصابها الضعف مقارنة بالماضي، وبمجرد قيام المظاهرات انهار الحزب الوطني أما المجلس الشعب فكان غير مجدي. وفي مواجهة  تزايد الاضطرابات الشعبية فقد النظام قدرته على التماسك. على ناحية الأخرى فقد مبارك دعم الجيش ليسقط النظام في مصر.
العودة للثكنات
بطبيعة الحال فمن السابق لأوانه القول بأن النظام الاستبدادي قد سقط في مصر، فعلى الرغم من قيام الثورة فالحقيقة المؤكدة أن الجيش لايزال يحكم مصر، وللقول بأن مصر شهدت ثورة فهذا يتوقف على صدق المجلس الأعلى للقوات المسلحة بشأن أن دوره يقتصر على إدارة الفترة الانتقالية،وهناك أسباب تدفعنا للشك. السبب الأول سياسي، فالجيش يحظى بشكل من أشكال الحصانة السياسية فعلى سبيل المثال ميزانية الجيش تعد سر من أسرار الدولة ولا توجد مراقبة برلمانية، وقد يكون دعم الجيش للديمقراطية يعني وضع نهاية لهذا الوضع الخاص. وفي الواقع فأن اللواء ممدوح شاهين مساعد وزير الدفاع لشئون البرلمان  طلب من أي دستور مصري جديد حماية الجيش من نزوات المسؤولين المنتخبين وأعلن أن الشؤون العسكرية يجب أن تبقى خارج الحدود في أي برلمان جديد. السبب الثاني اقتصادي فالجيش شريك رئيسي في العديد من الأنشطة الاقتصادية بدءا من المواد الغذائية لصناعة البتروكيماويات للوازم المطبخ. ورصد المحللون إلى أن نسبة الجيش من الأنشطة الاقتصادية في مصر تتراوح بين 5 إلى 40%. تجدر الإشارة إلى أنه في منتصف عام 2010 ،أعلنت وزارة الإنتاج الحربي أن عائدات انتاج مصانعها وصل في العام المالي السابق إلى 4.3 مليار جنيه مصري. وأيا كان حجم النشاط الاقتصادي للجيش فمن المؤكد أن الإدارة العسكرية للبلاد ستكون حريصة على حماية هذا النشاط. السبب الثالث له علاقة بالجغرافيا السياسية، فالجيش يقدر علاقته بالولايات المتحدة الأمريكية والسلام مع إسرائيل، وهي أمور لا تحظي برضا أغلب المطالبين بالديمقراطية. على الناحية  الأخرى يبدو أن الجيش ليس لديه صبر كبير على إدارة شئون البلاد يوم بيوم. فتأمين الشوارع، حماية الأقليات الدينية وتحديد السياسة الاقتصادية ليست من الأمور التي تناسب رجال الجيش. بدلا من ذلك فالجيش يفضل أن يحكم ولا يدير شئون البلاد، وبهذا يحافظ على الامتيازات الاقتصادية  ويتجنب المراقبة الحكومية وفي نفس الوقت التحكم في السياسية المصرية الخارجية والدفاع. هذا الأمر يحتاج عملية توازن شديدة الحساسية وقد فشلت التجارب المشابهة في باكستان والسودان في تحقيق هذا التوازن.يأمل المتفائلون في أن مصر قد تطبق النموذج التركي، ولكن الأمر ليس بالسهولة التي يعتقدها البعض.
صياغة الجمهورية الجديدة
في تلك الأثناء يسعى المجلس العسكري لهندسة الشئون المصرية.ولكن هذه الصياغة لدولة ديمقراطية تقترب من الفشل بعد وقوع أغلب القوى المؤيدة للديمقراطية في فخ صراع ناتج عن أول قرارات المجلس الأعلى للقوات المسلحة وهو ايقاف العمل بدستور 1971. من وجهة نظر الجيش فهذه الخطوة كانت ضرورية ، فالمتظاهرين يريدون التغيير، وإذا ظل العمل بالدستور القديم فهذا كان يعني أن رئيس مجلس الشعب كان سيتولى إدارة شئون البلاد لحين إقامة انتخابات رئاسية في أبريل وهذا يعني استمرار سيطرة الحزب الوطني الحاكم على مجلس الشعب وهذا يعني عدم الاستجابة لرغبة الشعب في التغيير. كما كان هناك مصلحة ذاتية أيضا لهذه الخطوة حيث أن دستور 1971 لا يتضمن ما يتعلق بالحكم العسكري. لكن الايقاف العمل بالدستور اثار مخاوف بأن الحيش يسعى لتسوية على المدى الطويل. وتم الإعلان عن لجنة مهمتها تعديل الدستور القائم وذلك لتسهيل نقل السريع للسلطة إلى الحكومة المدنية المنتخبة. أصدرت اللجنة مجموعة من التعديلات التي تعزز الاشراف القضائي على الانتخابات ، وبفترتين رئاسيتين فقط ، وفتحت المنافسة لرئاسة الجمهورية ، و القضاء على بعض صلاحيات الرئاسية. أهم تلك التعديلات كان المتعلق بأن البرلمان المنتخب يقوم باختيار 100 عضو من الجمعية التأسيسية التي سيكون لها ستة أشهر أخرى لصياغة دستور جديد وضعه للتصويت الشعبي. هذه التعديلات تم الاستفتاء عليها في 19 مارس وتمت الموافقة عليه بنسبة 77%. ولكن هذه التعديلات ساهمت في توتر الأجواء السياسسية فالإخوان رحبوا بالتعديلات التي من وجهت نظرهم قدمت لهم طريق واضح للخروج من الحكم العسكري وتأسيس برلمان جديد ودستور، ولكن القوى السياسية الأخرى لم توافق على نتيجة الاستفتاء ونادت أغلب الأسماء المرشحة لخوض انتخابات الرئاسة بالدستور قبل الانتخابات. واستمرت القوى الليبرالية بالمناداة بالدستور أولا.

التحدي الإسلامي
إذا لم يكن بالإمكان وضع الدستور قبل الانتخابات البرلمانية فأن الاتفاق على المبادئ الدستورية بشكل عام قد يكون الحل الأفضل للخروج من تلك الأزمة.  ومع الدعوة لهذا الوفاق الوطني بشأن المبادئ الدستورية في محاولة لتهدئة الليبراليين.، غضب الإخوان المسلمين  الذين اعتبروا هذه الدعوة محاولة من الليبراليين لاغتصاب سلطة البرلمان.
والحقيقة أن الإخوان المسلمين يعتبروا القوى السياسية الأكثر تنظيما في المشهد السياسي المصري  وتخشى التيارات الليبرالية في مصر من سيطرة الاسلاميين على الانتخابات البرلمانية. من جانبهم حاول الإخوان المسلمين تهدئة تلك المخاوف بالإشارة إلى أنهم لن يترشحوا إلى على عدد معين من المقاعد، ولكن مع ملاحظة أن عدد المقاعد أخذ يزداد بمرور الوقت.  بعض الإحصائيات أشارت لحظوظ الإخوان في الانتخابات البرلمانية، ومنها استفتاء عبر التليفون أجراه مركز "بيو للأبحاث" شارك فيه ألف مواطن مصري وخرجت النتائج بأن 75% يفضلون الإخوان، و17 % طالبوا بتولي الإخوان الحكومة المصرية القادمة . هذه الترجبحات لانتصارات الإخوان تعتمد على تاريخ الإخوان والمقاعد التي نجحوا في الحصول عليها بالانتخابات البرلمانية 2005.   ولكن المؤكد أن التمثيل البرلماني لن يقتصر على الإخوان فقط وسوف بضم البرلمان أحزاب وجماعات غير معلوم مدى التزامها بالديمقراطية. لقد حدث نوع من الانتشار لتيارات الإسلامية واللاعبين السياسين في المشهد السياسي بعد رحيل مبارك، من الإسلاميين المعتدلين إلى حزب الوسط، مرورا بحزب النهضة بقيادة عبد المنعم أبو الفتوح، دون أن ننسى الجماعات السلفية.
أن تيارات الليبرالية لديها الكثير لكي تقلق منه ولا يتوقف الأمر على الإخوان المسلمين.كم ستحصل الكتلة الإسلامية في الانتخابات البرلمانية القادمة، 77% وافقوا على التعديلات الدستورية، هذه النسبة تعكس قوة التيارات الإسلامية التي دعمت الموافقة على تلك التعديلات، ولكن هذا لا يعني أن كل من صوت بالموافقة على التعديلات الدستورية ينتمي للتيار الإسلامي. لهذا ففي النهاية لا يمكن لنا أن نقدر حجم الانتصار الذي ستحققه التيارات الإسلامية في الانتخابات البرلمانية ولكن من المؤكد أن هذه التيارات الإسلامية سوف تبذل أقصى جهد لاقناع المصريين بأن الانتخابات البرلمانية القادمة تتعلق بمن سيضع الدستور وبالتالي تحديد إذا ما كانت مصر سوف تحافظ على هويتها الإسلامية أو لا.
الخروج مع القديم
يشير مسعود إلى أن قوانين الثورات تشير إلى ضرورة هدم النظام القديم، هذا يفسر لنا كل المظاهرات التي خرجت في أعقاب تنحي مبارك والتي طالبت بإقالة حكومة شفيق، تطهير أمن الدولة، محاكمة مبارك وعائلته، اليوم هناك الكثير من رجال ووزراء مبارك خلف القضبان تتم محاكمتهم على الجرائم التي ارتكبوها، أن هذه المحاكمات ليست من أجل ارضاء الجماهير الغاضبة ولكن من أجل تأسيس مبدأ محاسبة وعقاب كبار رجال الدولة.
ولكن مع اتساع نطاق شبكة العدالة  تزداد التكاليف السياسية المحتملة.  على سبيل المثال قادة الجيش قد يشعرون بالقلق من أن التخلي عن إدارة شئون البلاد قد يعرضهم لنفس مصير مبارك. كذلك رجال الأعمال قد يشعرون بالخطر، وكما أشار آدم برجيفورسكي أستاذ العلوم السياسية الأمريكي فأن من أكبر التحديات التي تواجه عملية الانتقال الديمقراطي هو مواجهة القوى السياسية التي تتعرض مصالحها للخطر في ظل النظام الديمقراطي. شهدت مصر العديد من المحاولات التخريبة لعملية الانتقال الديمقراطي، ففي الشهور التي تلت الثورة رأينا عدة مواجهات بين المسلمين والمسيحين وغيرها من محاولات  لزعزعة الأمن، في ظل غياب جهاز الشرطة الذي كان اليد الحديدي للنظام السابق والحذاء الذي يضعه النظام على رقاب المواطنين.
ويبدو أن تحقيق الديمقراطية في مصر قد يستدعي السماح لتلك  القوة التي كانت مهمتها حماية النظام القديم تولي مهمة حماية  النظام الجديد. وبالطبع فالمصريين فقط هم من يملكون قرار إذا كان من الأفضل المتابعة من أجل تحقيق العدالة أو العمل على اشعار كل اللاعبين بما في ذلك عناصرالنظام القديم أن لديهم مكان في النظام الجديد.
ديمقراطية دائمة
ليس فقط العناصر من النظام القديم الذي يجب أن ترى فوائد في النظام الجديد ، كذلك المصريين العاديين يجب أن يشعروا أن لهم مصلحة في تحقيق الديمقراطية.
في عام 1954 عندما خرجت المظاهرات العمالية لتأييد جمال عبد الناصر في مواجهة محمد نجيب الذي كان يميل لتطبيق نظام ديمقراطي، خرج العمال يرددون فالتسقط الديمقراطية، لم يكن العمال أغبياء ولكنهم تحركوا بدافع من خبرتهم مع النظام الديمقراطي في عصر فاروق والذي نتج عنه مزيد من الفقر والبطالة وتدني الأجور. فد نعتقد أن الديمقراطية تتمتع بدعم غير قابل للاهتزاز في مختلف أنحاء العالم، ولكن الاختبار الحقيقي للديمقراطية هو معدة خاوية. والمشكلة أن البطون الخاوية في مصر تزداد مع بطء النمو الاقتصادي ليصل إلى 1%، انخفاط 25% من احتياطي النقد الأجنبي، وتوقف تام للاستثمارات الأجنبية وخسارة 40 مليون دولار يوميا بسبب توقف السياحة...
في ظل هذه الصورة القاتمة هناك نوعان من الإغراءات قد تخضع لها أي حكومة مصرية منتخبة.الأول التعامل مع البطالة بمزيد من التعينات الحكومية، الثاني هو العودة للطراز القديم لعهد عبد الناصر من المشاريع القومية الكبيرة والتي تأتي في الاتجاه المعاكس لتدابير الخصخصة التي طبقها مبارك وهذا يعني إعادة تشكيل السياسة في مصر على قدم المساواة مع إعادة صياغة درامية لاقتصادها.
ولكن كلا الاتجاهين من الصعب أن يقدما حلول لمشاكل مصر الاقتصادية. توسيع القطاع العام  قد يكون حل لمواجهة البطالة ولكن عواقبه من الصعب تحملها. أما المشاريع القومية الكبرى قد تحفز الاقتصاد على المدى القصير ولكن قد يكون لها عواقب كبير مثل تبديد مصادر الدولة. ويبقى الإشارة أن نجاح الديمقراطية في مصر مرهون بالنجاح الاقتصادي.
ولكن كما فشل الخبراء في توقع حدوث ثورة مصرية، سوف يفشلوا  أيضا في توقع ما سيحدث بعد هذه الثورة.  لقد أثبت المصريون قدرتهم على إرباك توقعات الخبراء والمحللين. الواضح أن الطريق الذي ستسير فيه مصر ستحاول أغلب الدول العربية أن تسير فيه.  مصر هي المركز الثقافي والفكري للعالم العربي، ورهانات التحول المصري بعد الثورة مرتفعة. 
إذا تحولت مصر لدولة ديمقراطية فاعلة يمكن للمرء تخيل أن كل انتخابات ستكون نقطة محورية لاحتجاجات جديدة ي سوريا أو المملكة العربية السعودية ، مع الشعب يطالب بحقه في تطبيق الديمقراطية كما هو الوضع في مصر. لكن إذا تحولت مصر إلى الفوضى والتطرف الإسلامي أو الانهيار الاقتصادي فأن جيرانها سوف يعتبرون أنفسهم محظوظين للبقاء في ظل نظام مستقر يحكمه رجل قوي.
مي سمير

السبت، 23 يوليو 2011

 ماذا تعرف عن أوبرا وينفري؟ سؤال لا تفكر في الإجابة عليه قبل قراءة السطور التالية التي تتضمن عرض لكتاب "أوبرا"




لكل كتاب تاريخ ميلاد هو لحظة الإلهام الذي يقرر فيها الكاتب تحويل أفكاره إلى كتاب يشارك فيه العالم.  وتاريخ ميلاد كتاب "أوبرا" بقلم الكاتبة الأمريكية المثيرة للجدل كيتي كيلي، الذي تم إصداره منذ أسابيع قليلة, يرجع لما يقرب من عشرين عاما عندما التقت كيتي لأول مرة باوبرا أثناء مشاركة المذيعة الأشهر في العالم في تقديم البرنامج النهاري "الناس يتحدثون"  في بليتمور التي شهدت بدايتها كمذيعة تلفزيونية. سبب اللقاء هو كتاب كيتي عن قصة حياة جاكلين كيندي ولكن أوبرا فضلت عدم إجراء الحوار وتركت زميلها في تقديم البرنامج مع كيتي معلنة أنها لا تحب هذه النوعية من الكتب التي تتناول حياة المشاهير دون رقابة من صاحب القصة. أثناء هذا اللقاء أدركت كيتي كما تؤكد في مقدمة كتابها أن علاقتها بأوبرا لم تنتهي بعد والأدق أنها لم تبدأ وعلى مر السنوات تابعت كيلي نجاحات أوبرا التي تحولت من نجمة تلفزيونية إلى ملكة على عرش قلوب الجماهير ليس في الولايات المتحدة فقط ولكن في كل أنحاء العالم. النجاح الكبير الذي حققته أوبرا دفع كيتي إلى التفكير في كتابة قصة حياتها وتؤكد كيتي أن تخصصها في كتاب قصص حياة المشاهيريرجع لسؤال يسيطر دائما على تفكيرها عن الصورة الحقيقية للمشاهير وهل الواقع يختلف عن الصورة الملونة التي تظهر في الإعلام.
ومع استعدادها لتقديم كتابها بدأت الشائعات وبدأت محاولات أوبرا للدفاع عن نفسها حيث ذكرت في حوار تلفزيوني  أنها علمت أن هناك محاولة لكتابة قصة حياتها ولكنها على يقين أن الكتاب سيكون ممتلأ بالأكاذيب. وتؤكد كيلي أنها حاولت الاتصال بأوبرا في محاولة للحصول على تعاونها من أجل تقديم الكتاب ولكنها فشلت في الوصول إليها وعندما حاولت الاتصال بالعاملين معها اكتشفت أن كل من يعمل بالقرب منها يوقع على عقد سرية ينص على عدم الحديث عن تفاصيل علاقته بأوبرا كما اكتشفت كيتي أن أوبرا تجبر العاملين معها على مناداتها بأسم ماري في الأماكن العامة حتى لا يعلم أحد أنه يتحدث عنها. لكن هذه العوائق لم تمنع كيتي من تقديم كتابها الذي اعتمدت فيه على بعض أقارب أوبرا الذين قدموا لها القصة الحقيقية لطفولة أوبرا ونشأتها وهي نسخة مختلفة عن القصة التي ترددها أوبرا على مسامع العالم كما أعتمدت كيتي على أوبرا نفسها حيث قامت بجمع كل الحوارات التي أجرتها أوبرا على مدار 25 عاما لتكشف من خلال كلمات أوبرا نفسها عن الجانب الخفي في حياتها.

اختارت كيتي أن يبدأ كتابها عن أوبرا باللحظة الفاصلة في تاريخها المهني, لحظة شهدت ميلادها كنجمة تلفزيونية غير عادية. في نهاية عام 1983 انتقلت أوبرا من بليتمور إلى شيكاغو من أجل تقديم توك شو في محطة "دبليو إل أس".  وقد نجحت أوبرا في الاختبار وحققت نجاح كبير في شيكاغو دفع ستيفن سبيلبرج لاختيارها للمشاركة في بطولة الفيلم الشهير "اللون القرمزي" عام 1985, بعد الانتهاء من تصوير الفيلم طلبت أوبرا من ستيفين سبيلبرج أن يضع صورتها وأسمها على أفيش الفيلم ولكن المخرج والمنتج  الشهير أكد لها أن عقدها لا ينص على هذا وهنا استشاطت أوبرا غضبا وصاحت في وجهه وهي تؤكد له أنه سيندم كثيرا لأنها ستكون مشهورة على نحو غير مسبوق. تهديد أوبرا لم يدفع سبيلبرج لتغيير رأيه ولكن قبل أسبوع من بداية عرض الفيلم كانت أوبرا قد بدأت مشوارها في الشهرة العالمية عندما قررت تقديم حلقة على الإساءة الجنسية وهو موضوع شائك لم يكن الإعلام الأمريكي في ذلك الوقت يتحدث عنه. استضافت أوبرا امرأة اطلقت على نفسها أسم لورا وأخذت السيدة في سرد قصتها مع الإساءة الجنسية التي تعرضت لها في منزلها ومع تدافع الكلمات والحكايات بدأت لورا في فقدان سيطرتها على أعصابها لتنهمر الدموع وفي تلك اللحظة اقتربت أوبرا منها واحتضنتها قبل أن تهمس في أذنيها قائلة " لقد حدث لي نفس الشيئ". 
اعتراف أوبرا تحول إلى الخبر الأهم في وسائل الإعلام الأمريكية وانتهزت أوبرا الفرصة وسردت تاريخ حياتها على مرأى من الجميع حيث أكدت أنها تعرضت وهي طفلة صغيرة في التاسعة من عمرها إلى الاستغلال الجنسي من جانب أحد أقاربها الذي يكبرها بعشرة سنوات, وتوالت اعترافات أوبرا عن حياتها البائسة وهي طفلة عندما كانت تعيش مع جديها في المسيسبي  وكيف كانت جدتها تضربها وجدها يعاملها بقسوة  مؤكدة أنها كانت لا تملك ملابس جديدة أو ألعاب. واستمرت أوبرا في فتح دولاب اسرارها أمام شاشات التلفزيون وتحكي لمشاهدين برنامجها عن معاناتها مع والدتها التي انتقلت للعيش معها في السادسة من عمرها وكيف كانت والدتها وزوجها الجديد يعاملاها بجفاف ويفرقا بينها وبين أخواتها مؤكدة أن حياتها تغيرت بعد انتقالها للعيش مع والدها فيرنون وينفري.  وقع الجمهور الأمريكي في حب أوبرا وتعاطف مع قصة حياتها البائسة وقدرتها على تحقيق النجاح على الرغم من نشأتها الفقيرة. جرأة أوبرا في الكشف عن تفاصيل حياتها امتدت لنوعية موضوعات البرنامج وطريقة تناولها لهذه الموضوعات  ووقع الجمهور في عشق جرأتها وتعليقاتها الغير أخلاقية وأسئلتها الغير متوقعة حتى مع المشاهير فعلى سبيل المثال وأثناء استضافتها لبروك شيلدز سألتها أوبرا " هل أنت بالفعل فتاة طيبة؟".  وتؤكد كيتي أن أوبرا برعت في استغلال حياتها الشخصية من اجل تحقيق مزيد من النجاح, لعبت دور المرأة التي تكشف دون خجل عن أدق أسرار حياتها حتى لو كان هذا السر هو تناولها للمخدرات وهي في بداية العشرينات, ولكن كيتي تؤكد أن أوبرا كانت تعلم متى تتوقف وما هي المعلومات التي يمكن مشاركتها مع الجمهور والمعلومات التي يجب أن تظل سر, فقد كانت أوبرا على حد وصف كيتي أقرب للبهلوان الذي يبهر الناس بينما يخفي وجهه الملون
الجانب المظلم من شخصيته.

أدركت أوبرا سر النجاح و كافأتها المحطة بإمداد برنامجها لساعة بل وتم تأليف أغنية خاصة لها واستمرت أوبرا في نجاحاتها وتحولت بالفعل إلى أسطورة. لكن للعملة وجه آخر, وإذا كانت أوبرا تظهر على شاشة التلفزيونية في صورة المرأة القوية والجرئية والمحبة للخير فأن على أرض الواقع تتحول الصورة الملونة إلى اللونين الأبيض والأسود فقط لتزداد وضوح وتكشف عن الكثير من الخبايا والأسرار والحقائق التي تم تزينها بألوان الأعلام.  في كتابها التقت كيتي بإحدى قريبات أوبرا وهي كاترين كير ايستر التي اعتادت أوبرا بمناداتها "خالة كاترين".
أكدت كاترين أنها تحب أوبرا وتحب كل أعمال الخير التي تقوم  بها ولكنها في نفس الوقت لا تعلم لماذا تصر على سرد الأكاذيب عن طفولتها مؤكدة أن أوبرا عاشت طفولة سعيد وكانت طفلة مدللة تسعى لجذب الانتباه دائما, ولم تتعرض للضرب بل كانت تحصل على ما تريده من ألعاب وهدايا وملابس جديدة فقد كانت تعيش في عائلة ميسورة مقارنة بأقرانها, ونفت تعرضها للاستغلال الجنسي وهي طفلة صغيرة. أما عن الجزء المتعلق بوالدتها وكيف أنها تخلت عنها فقد أكدت كاترين  أن فرينتا لي والدة أوبرا تركتها وهي طفلة رضيعة مع والديها حتى تستطيع أن تبدأ حياتها من جديد وتعثر على وظيفة وتستقر وبالتالي تتمكن من إعالة طفلتها الصغيرة التي كانت تحظى بحب الجميع في بيت جديها.  سألت كاترين أوبرا سؤالا واضح عن أصرارها على مثل تلك الأكاذيب واجابتها أوبرا قائلة " هذه الأمور هي ما يريد الناس سماعها, الحقيقة مملة خالة كاترين, الناس لا يريدون الملل بل يريدون قصص درامية".

وللدراما وجه مختلف في حياة أوبرا, في حوار لها مع المذيعة باربرا والترز أشارت أوبرا أنها كانت تتمنى أن تولد بيضاء حتى لا تتعرض للتمييز العنصري الذي تعرضت له وهي طفلة صغيرة, وأشارت أوبرا أن بشرتها السمراء الداكنة جعلت والدتها تميز بينها وبين بقية أبناءها أصحاب البشرة السمراء الفاتحة. لكن إدعاءات أوبرا عن معاناتها في منزل والدتها تم نفيها على لسان أختها الصغرى باتريشيا التي أجرت لقاء مع جريدة "ناشينول انكواير"  في بداية التسعينات أكدت فيه أن  والدتها كانت تحب أوبرا وتدللها باعتبارها ابنتها الكبرى وفي نفس الحوار أشارت باتريشيا إلى جموح أوبرا فعندما انتقلت للعيش مع والدتها كانت طفلة متمردة تريد الحصول على كل شيئ, اعتادت سرقة والدتها للحصول على المال, اعتادت وهي مراهقة إقامة العلاقات من أجل المال, انجبت طفل وهي في الرابعة عشر من عمرها ولكنه مات بعد شهر من ميلاده.  في كتابها كشفت كيتي عن الأسرار التي دفعت باتريشيا للحديث عن اسرار أختها على صفحات الجرائد, فقد كانت أوبرا ترسل لأختها مرتب شهري يصل إلى 1200 دولار شهري ولكنها توقفت عن إرسال المال لبتريشيا لأنها كانت تستخدم المال في شراء المخدرات وهو الأمر الذي دفع باتريشيا إلى الذهاب إلى "ناشينول انكواير"   لكي تكشف عن أسرار أوبرا مقابل 19 ألف دولار. اعترافات باتريشيا على صفحات الجريدة أصاب أوبرا بالانهيار التي ظلت تبكي لثلاثة أيام لم تغادر خلالهم السرير, وأضطرت أوبرا في النهاية إلى تقديم تصريح في مؤتمر صحفي علقت فيه عن حقيقة انجابها لطفل وهي في الرابعة عشر من عمرها. بعد هذه الفضيحة العلنية قررت أوبرا مساعدة باتريشيا على التخلص من الإدمان ودفعت تكاليف إعادة تأهيلها ولكنها في نفس الوقت رفضت الحديث معها وأن ظلت اوبرا تدفع مصاريف تعليم ابنتي أختها باتريشيا التي ماتت في عام 2003 بعد تناولها جرعة مخدرات زائدة.  والمؤكد أن العلاقة بين أوبرا ووالدتها علاقة متوترة وباردة بسبب إدعاءات أوبرا التي نفتها تماما باتريشيا قبل وفاتها, وأكدت كيتي في كتابها أن أن فرينتا لي والدة أوبرا لا تعرف رقم تليفون ابنتها .

أجرت كيتي لقاء مطولا مع فيرنون وينفري صديق والدة أوبرا والتي تعتقد أوبرا أنه والدها الحقيقي, ولكن في كتابها تؤكد كيتي أن فيرنون ليس هو والد أوبرا وأن مقارنة سجلات خدمته العسكرية  بشهادة ميلاد أوبرا تؤكد استحالة أن يكون والدها, وقد كشف فيرنون الكثير من الأسرار عن شخصية أوبرا مؤكد أنه كان سعيد بانتقالها للعيش معه في منزله بعد أن عاشت فترة مع والدتها ولكنه في نفس الوقت يشعر بالغضب الشديد بسبب أكاذيبها وقد صرح لكيتي قائلا " الناس قد يحبون أوبرا..ولكنني أعلم الحقيقة". وقد حاول بالفعل فيرنون سرد القصة الحقيقية لأوبرا في كتاب من تأليفه وهو الأمر الذي أثار غضب أوبرا بشدة ويؤكد فيرنون أنها مارست نفوذها من أجل منع نشر هذا الكتاب.  وتؤكد كيتي أن كاترين كير ايستر كشفت لها عن الأسم الحقيقي لوالد أوبرا ولكنها طلبت منها عدم الكشف عن هذا الأسم حتى  تقوم أوبرا بنفسها الإعلان عن أسم والدها وأضافت كاترين أن من المتوقع  أن تعلن أوبرا في شخصية والدها الحقيقية في حلقة خاصة من برنامجها وبشكل درامي كما تعشق.

قضت أوبرا فترة مراهقتها مع فيرنون الذي تعتقد أنه والدها الحقيقي, وقد شهدت هذه الفترة كما تؤكد كيتي في كتابها نمو شخصية أوبرا العاشقة للنجاح والحريصة على الوصول إلى ما تريد. شهدت مراهقة أوبرا الكثير من الأحداث المختلفة التي تعكس جانب لا يعرفه أحد عن المذيعة المصنفة دائما كأكثر الشخصيات تأثيرا ونفوذ في الولايات المتحدة الأمريكة. من تلك القصص مشاركتها في مسابقة ملكة جمال ناشيفبل للفتيات السمروات, ومع وصول المسابقة إلى مرحلتها النهائية لم يتبقى سوى أربع متسابقات كان من بينهن أوبرا وكان الجميع يتوقع فوز فتاة تدعى مودي موبيلي ولكن مع إعلان النتائج حصلت مودي على المرتبة الرابعة بينما فازت أوبرا بالتاج, بعد انتهاء الحفل وحاول بعض القائمين على المسابقة معرفة ماذا حدث واكتشف أحدهم أن خطأ في ترتيب الأسماء بين مودي وأوبرا أدى إلى فوز أوبرا بدلا من مودي باللقب وبالفعل ذهب أحد المسئولين عن المسابقة لأوبرا من أجل مطالبتها بتصحيح الخطأ وإعادة التاج لصاحبته ولكن أوبرا رفضت وطردته من منزلها وهي تصيح أن التاج ملكا لها. شاركت بعد ذلك أوبرا في مسابقة ملكة جمال تينسي وحصدت اللقب وشاركت بعد ذلك في مسابقة ملكة جمال أمريكا للسمروات ولكنها خسرت اللقب وفي حوار لها مع نيويورك تايمز سخرت من ملكة جمال كاليفورنيا التي حصلت على اللقب. وقصة مسابقة الجمال هي انعكاس لجانب من شخصية أوبرا في مرحلة المراهقة حيث كانت شديدة الغرور وتؤكد للجميع في تحدي أنها ستحقق النجاح وسيندم الجميع على عدم التعاون معها.  ومشاركة أوبرا في مسابقة الجمال يعني أنها قامت بتزوير أوراق الاشتراك حيث يشترط ألا تكون المتسابقة قد انجبت من قبل.

أوبرا وينفري المرأة التي غيرت شكل الإعلام التلفزيوني, التي وقع العالم في غرامها, التي صنعت إمبراطورية ضخم  وأصبحت أغنى امرأة  بالعالم بدخل يصل إلى 240 مليون دولار سنويا, برنامجها هو ثالث البرامج الأمريكية تحقيق للأرباح ولا يسبقه سوى برنامجين للمسابقات, هذه السيدة كما حققت نجاحا مهني  غير مسبوق شهدت حياتها الخاصة الكثير من الإضطرابات ما بين علاقات غير شرعية إلى شائعات بالشذوذ.  سردت كيتي في كتابها التاريخ العاطفي لأوبرا وينفري. وفي كتابها أكدت كيتي أن أوبرا أقامت علاقة في بداية السبعينات مع جون تيش الملحن والمقدم السابق لبرنامج "انترتايمنت تونيت" ولكن كليهما حرص على ابقاء هذه العلاقة سر. وفي عام 1989  وقعت أوبرا في غرام  تيم واتس وهو رجل متزوج ولديه أبناء وأقامت معه علاقة سرية انتهت عندما قرر واتس عدم الاستمرار مع أوبرا. انفصالها عن واتس كان سببا في انهيارها وعدم قدرتها على مغادرة منزلها لعدة أيام ولكن القصة لم تنهي مع الانفصال. بعد الشهرة الكبيرة التي حققتها أوبرا سعت الصحف ووسائل الإعلام لمعرفة تفاصيل الحب الأول في حياة أوبرا وبالفعل ذهبوا إلى واتس وعرضوا عليه أموال ولكنه فضل الذهاب إلى أوبرا وطالبها بثمن صمته.  وكما تؤكد جودي لي التي اقامت هي الأخرى علاقة مع واتس فقد دفعت أوبرا 50 ألف دولار لواتس حتى لا يكشف تفاصيل علاقتهما, وحتى لا يكشف عن اسرار علاقاتها الأخرى الشاذة وكذلك حتى لا يكشف حقيقة شذوذ أخيها الذي توفى بمرض الإيدز.ولا يزال سجلها العاطفي يحمل الكثير من الأسرار وكما تقول كيتي فأن شائعات شذوذها بدأت منذ بداية عملها الإعلامي , ولايزال العديد من العاملين في الحقل الإعلامي يتذكروا العلاقة القوية التي جمعت بين أوبرا وينفري ومذيعة الإيه بي سي ديانا سوير عندما كانتا تعملان معا, أوبرا نفسها أكدت في أكثر من حوار عن اعجابها الشديد بديانا, أما كيتي فقد اكدت أن أوبرا اعتادت إرسال الهدايا إلى ديانا وفي إحدى المرات أرسلت لها خاتم ماسي.  كما ربطت الشائعات بين أوبرا وصديقتها جيل كينج التي ترأس تحرير مجلة أوه التي تصدرها أوبرا وينفري, وفي الكتاب تشير كيتي أنه لا يوجد دليل على وجود علاقة بين الإمرأتين, فقط صداقة قوية حيث أختارت جيل أوبرا لتكون الأم الروحية لبناتها.  وفي هذا الإطار عبر فيرنون وينفري عن كراهيته الشديد لجيل كينج مؤكدا أنها لعبت دور سلبيا في حياة أوبرا واستغلتها على نحو كبير.
 ومن جانبها تحاول أوبرا نفي هذه الشائعات وتؤكد دائما أن الحب يجمعها مع رجل الشرطة السابق ستيدمان جراهام, وقد امتدت علاقتهما طوال عشرين عاما ولكن الحب لم يتوج أبدا إلى زواج. في هذا الاطار أكد فيرنون وينفري أنه لا يعتقد امكانية زواج أوبرا من ستيدمان , وصرح قائلا "أوبرا لا يمكن لها أن تتزوج فهي لا تفكر سوى في نفسها ولا يمكن أن تفكر في مشاركة حياتها مع شخص فهي سعيدة بوضعها كما هو". ولا يتوقف الأمر على فيرنون فالشائعات تؤكد أن أوبرا تنام في غرفة منفصلة عن ستيدمان الذي يعيش في ظل أوبرا فالصحافة تطلق عليه أسم السيد أوبرا أو السيد الصغير, و لكن يبدو أنه لا يمانع خاصة أنه يستفيد من علاقته بأقوى امرأة في الولايات المتحدة الأمريكية والتي توفر له حياة مرفهة.  وقد شهدت علاقة أوبرا بستيدمان الكثير من الشائعات وتعامل أوبرا مع إحدى تلك الشائعات يعكس جانب من شخصية أوبرا المتسلطة كما تؤكد كيتي. فقد شهدت بداية هذه العلاقة في بداية التسعينات شائعة نشرتها الصحفية آنا جيربير في جريدة شيكاجو صان تايمز ذكرت فيها أن زوج مذيعة شهيرة عثر عليه في السرير بصحبة الكوافيرة الخاصة بالمذيعة. تضمنت الشائعة الكثير من التلميحات التي تشير إلى أوبرا التي اضطرت في النهاية إلى نفيها في برنامجها ولكن الحكاية لم تقف عند هذا الحد فقد تم فصل الصحفية آنا جيربير التي صرحت أنها تشعر بأن جريدتها طردتها بسبب الخوف من أوبرا.
على صفحات كتابها تؤكد كيتي أن  المذيعة البالغة من العمر 54 عاما كانت حريصة منذ سنوات مراهقتها على تحقيق النجاح والثراء وكانت تؤكد لكل من يقابلها أن ستحقق ما تريد ومع نجاح برنامج "أوبرا شو" كانت تقول لمن حولها " أنا اداة الله , أنا رسوله, وبرنامجي وسيلة لتحقيق ما أريد". أوبرا حريصة على تحقيق النجاح والشهرة ولهذا لم تكتفي بالبرنامج وحرصت على أن تمتد أعمالها لتشمل العديد من المجالات ولهذا أسست موقع أوبرا وينفري على الانترنت لمطاردة المتهمين بالاستغلال الجنسي للأطفال ونجحت في المساهمة في القبض على خمس متهمين بعد أن وضعت مكافأة قدرها 100 ألف دولار. كما حرصت أوبرا على تأسيس نادي كتاب أوبرا والتي ساهمت من خلاله في عالم الأدب وكانت الكتب التي تختارها للحديث عنها تحقق مبيعات فائقة وذلك على الرغم من الانتقادات التي وجهها النقاد الأدبيون لاختياراتها. أما عالم السينما فقد كان العالم السحري لأوبرا وهي لا تمانع في دفع الملايين من أجل ارتباط أسمها بالفن السابع. أما عالم السياسة فهو يشكل منطقة نفوذ أوبرا و يعلم العالم الدور الكبير الذي لعبته أوبرا من أجل وصول الرئيس الأمريكي باراك أوباما للبيت الأبيض ليكون أول رئيس اسمر للولايات المتحدة.  أن ما يحرك أوبرا هو رغبتها الجامحة في النجاح ومتعتها بالنفوذ والسلطة واحساسها انها متميزة عن غيرها من الناس, نظرة سريعة على طريقة تعامل أوبرا مع المحيطين بها تؤكد حبها الشديد لنفسها فهي عندما تتحدث عنها نفسها تشير لنفسها بأسمها و تقول أوبرا تريد الشاي أو أوبرا لا يمكن لها أن تقبل مثل هذا الأمر.
في نهاية كتابها تؤكد كيتي أن أوبرا نجحت في الاستحواذ على مرحلة زمنية وصلت خلالها إلى قمم غير متوقعة وخلال هذه الرحلة أصبحت رمز خاصة بالنسبة للنساء وتتوقع  الكاتبة لأوبرا أن تحافظ على مكانتها لأنها تعشق مقولة الشاعر روبرت بروانينج " أن انجازات الانسان يجب أن تفوق مقدرته وإلا فالماذا هناك جنة؟".

مي سمير

الثلاثاء، 19 يوليو 2011

ناتالي الممثلة الفرنسية  تكشف كيف  أعلنت إسلامها وسط الصحراء واحتفل بها البدو..وقصة غرامها بمصر 



ارتفع صوت الآذان ليلامس صوت المؤذن روحها وتحرك تكبيراته قلبها, وعلى الرغم من أنها كانت لا تفهم الكلمات إلا أنها كانت تعلم هناك شيئ غامض  يشدها لما تسمعه, أنها ناتالي السيدة الفرنسية التي بدأت قصتها مع مصر والإسلام منذ كان كانت طفلة صغيرة في جيبوتي .
التقتيت بها أول مرة عندما سمعت عن السيدة الفرنسية العاشقة للصحراء المصرية وعندما جلست معها لمعرفة سر هذا العشق اكتشفت أن خلف هذه الملامح الغربية الجميلة قصة عشق كبيرة لمصر ترجمته في صورة كتاب عن القاهرة حمل عنوان "القاهرة..الكشف عن المجهول" وهو الأمر الذي دفعني لإجراء حوار معها ومعرفة أسرار هذا الكتاب.
أثناء حواري معها  اكتشفت قصة هذه السيدة الفرنسية التي عملت في فترة كممثلة في فرنسا ثم قررت أن تستقر في مصر وذابت  فيها عشق وقدمت كتاب يؤكد أن عليك أن تعشق المكان الذي تعيش فيه حتى تراه جميل, فقد رسمت ناتالي لوحة جميلة للقاهرة لأنها عشقت المكان.
من هي تلك السيدة, ماذا كتبت عن القاهرة, ما هو السر الكبير وراء عشقها الكبير لوطن غير وطنها, أسئلة دارت في ذهني وأن أحضر لها الحوار الذي اكتشفت وأنا أجريه أنني أمام نموذج مختلف وسيدة ترى القاهرة بعيون جديدة. وإذا كان حواري كان في قلب القاهرة وعن كتاب يرصد ملامح الحياة فيها إلا أنني بدأت حواري من منطقة أخرى وهي جيبوتي التي تحتل عنوان الفصل الأول من حياة ناتالي , التي ولدت في جيبوتي وعاشت في فرنسا وقررت الاستقرار في مصر.
متى كانت أول زيارة لمصر؟
كانت عام 2001, وأثناء رحلة إلى الأقصر حيث ااكتشفت الصحراء اكتشفت أن طفولتي الضائعة يمكن لي العثور عليها مرة أخرى في أحضان مصر وبالتحديد الصحراء الغربية بكل تفاصيلها.لقد عثرت على ذكريات طفولتي في مصر, لقد بحثت طويل على ملامح من حياتي وأخيرا عثرت عليها  ومعها  عرفت مرة أخرى أسلوب  الحياة التي عشقتها منذ الصغر, طريقة التفكير, الناس..
لم تواجهي صعوية في اتخاذ القرار مغادرة وطنك والاستقرار في مصر؟
إطلاقا, فمصر دولة رائعة  لكل من يبحث عن دولة تحتضنه, فهي تتبناك, تقبلك كما أنت, فمنذ عصر الفراعنة والمصريون يستقبلوا الأجانب الذين يندمجوا سريعا مع أسلوب الحياة المصرية, هذه الحقيقة من السهل اكتشافها منذ اللحظة الأولي التي يأتي فيها أي أجنبي  لزيارة مصر حيث يستقبله الجميع بعبارة " أهلا في مصر" . وإذا أراد الأجنبي أن يستقر في مصر فلا يوجد من يعترض بل على العكس فالجميع يرحب ويساعد, وبصراحة لم أواجه أي صعوبة.
وكيف بدأت رحلتك مع مصر؟
عندما أتيت من أجل الإقامة في مصر لم تكن لدي خطة محددة, في المقابل كان لدي الكثير من الأصدقاء الذين تعرفت عليهم  بسبب عشقي لمصر منذ أول زيارة لها, فمنذ عام 2001 وأنا أزور مصر بشكل متقطع , ولكن الحب  الحقيقي بدأ عندما قضيت أجازة نهاية الأسبوع مع ابني في الصحراء البيضاء  منذ ما يقرب من عامين وعلى الرغم من المدة القصيرة لهذه الأجازة إلا أنني أدركت مدى عشقى للصحراء وأنها المكان الذي أريد العيش فيه, في تلك الرحلة قضيت وقتا في التفكير والتأمل واتخذت القرار بالاستقرار في الصحراء المصرية وأيضا قرار تأليف كتاب عن رحلتي في القاهرة, وهي الفكرة التي كانت تراودني منذ فترة ولكنني لم أتخذ قرار بشأنها.
الاستقرار في الصحراء والكتابة عن القاهرة؟
بعد عودتي من هذه الرحلة أدركت أنني لن أستطيع العيش بعيدا عن الصحراء, ولكن قبل اتخاذ  قرار الاستقرار هناك طلبت من الشيخ هلال, الذي قابلته في رحلتي الأولي,  أن يساعدني على فهم الصحراء وإمكانية الحياة هناك وأقترح أن أقوم برحلة طويلة في الصحراء لكي اكتشفها من جديد وأعرفها بشكل أعمق, والتعرف على عائلته وعلى البدو وعلى طبيعة الحياة التي سوف أقتحمها, رحلتي معه في قلب الصحراء المصرية جعلتني أقع في عشق هذا المكان و ارتبط بسكانه وأحلم بالاستقرار معهم, ولهذا اخترت العمل معهم في مجال تنظيم الرحلات إلى قلب الصحراء المصرية.
ولم تعارض أسرتك قرار استقرارك في مصر؟
ابني الوحيد يدعم قراري ويساندي فيه وهو يأتي لزيارتي في أجازته وقد أقامت له ملعب جولف في الصحراء لأنه  يريد أن يصبح لاعب جولف محترف عندما يكبر.

ألمح في عينك نظرة عشق للصحراء المصرية؟
بالفعل أنا أعشقها إلى حد كبير وأشعر أنها ابنتي التي يجب أن أحميها, فهناك ما يقرب من 45 ألف سائح يأتوا من أجل زيارة الصحراء البيضاء, ولكن أغلبهم لا يعرف طبيعة الصحراء وكيفية التعامل معها, لهذا أحرص مع البدو من عائلة الشيخ هلال أن نوفر لكل السياح رحلة رائعة في قلب الصحراء وفي نفس الوقت نحمة عذرية المكان من أي تدخل أي يأخذ من جماله أو يؤثر عليه. حماية الصحراء والحفاظ عليها هو أهم درس تعلمته من الشيخ هلال وعائلته والذين وهبوا حياتهم للصحراء وعرفوا أسرارها التي يتناقولها من جيل إلى جيل.

ولماذا اخترتي الكتابة عن القاهرة وليس عن الصحراء؟
اخترت الكتابة عن القاهرة لأنها شهدت علاقتي الأولي بمصر, ففيها استقريت أول مرة, وفيها تعرفت على الشعب المصري, وخلالها سمعت الآذان واقتربت أكثر من الدين الإسلامي الذي عرفته في جيبوتي وتعمقت معرفتي به في القاهرة, أما الصحراء فهي المكان الذي عشقته وقررت الإقامة فيه لبقية حياتي, وإذا كانت القاهرة هي بطلة أول كتاب لي فأن الصحراء هي بطلة كتاب الثاني, لقد أصبحت أعرف الآن وبفضل الشيخ هلال كل اسرار الصحراء, كل خباياها, أهم القصص والحواديت, لقد نشأت صداقة بيني وبين حبات رمالها وأصبحت أعرف قصة كل جبل.
ومن أي زاوية اخترتي الكتابة عن القاهرة؟
"القاهرة...الكشف عن المجهول" هذا هو عنوان الكتاب الذي أرصد من خلاله قصتي مع هذه المدينة الساحرة, قصة بدأت عندما طلبت منى إحدى المحطات التلفزيوينة الأجنبية أن  أساعدها في إعداد برنامج على القاهرة, ولكن المشروع لم يكتمل, ولهذا قررت استغلال الصو التي التقطتها  أثناء الإعداد للبرنامج في رصد قصتي مع هذه المدينة...
وبين القاهرة والصحراء تبقى لقصتك مع الإسلام , تفاصيل خاصة؟
منذ طفولتي والإسلام قريب منى فقد قضيت طفولتي في جيبوتي وتسلل صوت الآذان إلى مسامعي منذ الصغر وشاهدت أصدقائي وهم يقيموا الصلاة, وكان الإسلام بالنسبة لي دين حريصة على اكتشافه والتعرف عليه بعمق, وقد ساعدني أحد اصدقائي المصريين وهو علاء الدين الذي يعرف جيدا الإنجيل ويعرف أيضا القرآن الكريم, وساعدني على التعرف على النقاط المشتركة بين الدين الإسلامي والمسيحي وكذلك الاختلافات بينهما, وقد ساعدني استقراري في مصر على اكتشاف الدين الإسلامي
ومتى قررتي إعلان إسلامك؟
أتذكر هذه اللحظة جيدا, في العام الماضي, ومع النسمات الأولي لصباح أول يوم في العيد قررت أن أعلن إسلامي, كنت في الصحراء,ولاأزال أتذكر فرحة النساء في القرية التي أقيم بها وكيف اجتمعوا حولي وأعطوني حجاب لكي أصل به, وفي تلك الأثناء شعرت أن كل من أتي ليصلي صلاة العيد أتي لكي يبارك لي على حجابي.
وهل تطرقتي للحديث عن الإسلام في كتابك؟
بالطبع, فلا يمكن الحديث عن القاهرة, دون الحديث  عن الإسلام جوهر الحياة الذي يضفي طابع روحاني على الجميع,  ومن أجمل الاجزاء في كتابي الجزء الذي أتحدث فيه عن شهر رمضان الكريم, هذا الشهر هو الرائع الذي تعايشت فيه مع المصريين , تناولت معهم الإفطار على موائد الرحمن في الأزهر, انتظرت معهم ليلة القدر, تناولت الفول, وحرصت على أن أكتب فصل كامل عن شهر رمضان في مصر, ورصدت الحالة الروحانية التي تسيطر عليهم في هذا الشهر حيث ينتابك الاحساس وكأن سكان القاهرة, خاصة في الأحياء الشعبية, وكأنهم عائلة واحدة.و الحقيقة أنني أعلم أن الكثير من المسلمين يحلموا بزيارة مصر خلال شهر رمضان لأن مصر تعيش رمضان بكل وجدانها.
ما هي أهم ما رصدتيه في كتابك ؟ 
لقد سعيت من خلال كتابي إلى أكتشاف قاهرة اليوم من خلال لقائي بسكان هذه المدينة الساحرة. في البداية كنت أريد أن أكتب عن الأحياء الشعبية في القاهرة وعن تفاصيل الحياة اليومية هناك, ورصد الحياة الثقافية في قهوة نجيب محفوظ, ولكن بفضل أصدقائي نجحت في تكوين شبكة علاقات استطاعت من خلالها لقاء العديد من الشخصيات الهامة في مصر مثل زاهي حواس وفريدة فهمي,  وماريان خوري التي شجعتني كثيرا على كتابة "القاهرة...في القاهرة",هذا بالإضافة إلى المصريين الذين يعملون في مختلف المجالات...
وما هي أهم الأماكن التي كتبت عنها ؟
بالتأكيد الزمالك المكان الذي أقيم به عندما  أعود من الصحراء, في الزمالك أعيش الحياة الحقيقية للقاهرة, فالزمالك مكان يحمل عراقة التاريخ  كما أنه بالقرب من وسط البلد, وأهم ما يميز الزمالك, أنك يمكن أن تقابل الطبقة العليا كما يمكنك أن تتعرف على البسطاء وأن أرى أن البوابين في العمارات الزمالك يحملوا الكثير من القصص التي تعكس وجه مختلف من أوجه القاهرة. وأتذكر أنني في فترة قررت استبدال مكان اقامتي من الزمالك إلى المعادي ولكنني لم أحتمل الإقامة هناك لوقت طويل فالمعادي أقرب لمستوطنة خاصة بالأجانب حتى طابع  الحياة بعيد عن الحياة المصرية.
كيف تصفي كتابك ؟
هو كتاب لا يحلل الأوضاع السياسية والاقتصادية في القاهرة , كما أنه كتاب لا يتناول المعالم الأثرية في تلك المدينة, ولكنه كتاب يرصد القاهرة اليوم ويقدم صورة مختلفة عن تلك الصورة النمطية المعتادة عن مصرلدى الغرب والتي تتأرجح بين صورة المدينة التاريخية وصورة المدينة التي تعاني من التلوث والزحام. في كتابي أقدم نظرة جديدة للقاهرة ولكنها نظرة المحب, فالقاهرة مدينة تلتهمك
مي سمير
كتابان في حب الدين الإسلامي  بتوقيع صحفيتين أمريكيتين


مسجد الفراشة يرصد رحلة صحفية أمريكية في شوارع القاهرة تنتهي باعتناقها الإسلام
الإيمان هو الذي منحها القدرة على مواجهة حالة الفوضى والغضب التي تجتاح شوارع القاهرة

المرأة التي سقطت من السماء كتاب لصحفية أمريكية أخرى ترصد فيه المسافة التي تفصل  بين  عادات المجتمع الإسلامي وتعاليم الدين الإسلامي
                             


حجاب المرأة قضية شائكة أثارت جدل كبيرا في الغرب, خاصة أن الكثير من المنادين بمنع الحجاب يعتبروه رمز للقهر أو صورة من صور رفض الحياة الغربية كما أكدت من قبل الكاتبة الأثيوبية المرتدة عن الإسلام آيان هيرسي. كلمات آيان وغيرها من هؤلاء الذين رسموا صورة عن حجاب المرأة المسلمة وما تتعرض له من قهر في الدين الإسلامي كانت بمثابة ركيزة لصورة المرأة المسلمة في أذهان الغرب ولكن في مقابل هذه الكلمات صدر في الفترة الأخيرة كتابين قدما صورة مختلفة وتفاصيل للمرأة في اللإسلام تبتعد عن معاني ومصطلحات مثل القهر والدونية.
عرضت مجلة النيوزويك في عددها الأخير هذين الكتابين تحت عنوان "الكشف عن الحقيقة". الكتاب الأول "مسجد الفراشة: رحلة شابة امريكية للحب والإسلام" هو للصحفية ورسامة الكاريكيتر الأمريكية جي  ويسلون التي درست الأدب واللغة العربية  و انتقلت من بوسطن إلى القاهرة  بعد رغبتها في اكتشاف العالم الإسلامي عن قرب, ولكن رحلتها قادتها إلى حياة لم تتوقعها واكتشافات غيرت الكثير من مفاهيمها.
في بداية كتابها تؤكد ويسلون أن الشرق الأوسط  يعامل الرجل بطريقة مختلفة تماما عن المرأة, وهي تؤكد أن تقريبا كل رجل قابلته مع أصدقائها كان يحمل في عينه نظرة "غضب جنسي مكبوت", لكن الصحفية الأمريكية أدركت سريعا أن تلك النظرة ليس لها علاقة بالدين الإسلامي وذلك عندما التقت بزوجها المستقبلي عمر الذي تعلمت منه أن الدين الإسلامي يحترم المرأة ويقدرها وأن الرجل المسلم لا يتوقع من زوجته أن تخدم في المنزل وتغطي نفسها ولا تخرج في الأماكن العامة, فالرسول كان يحترم زوجاته ولايضربهن, وعمر زوجها المستقبلي المسلم الصوفي كان يقتدي بالرسول ويعامل المرأة كما ينص الدين الإسلامي الحق.
في بوسطن  لم تعتقد ويلسون أن حياتها سوف تأخذ هذا المجرى المختلف, ولكن ذهابها للقاهرة ووقوعها في غرام عمر وزواجها منه غير لها شكل حياتها تماما, لقد حدثت كل هذه التغيرات بسرعة كبيرة واعتقنت الصحفية الأمريكية الإسلام على الرغم من أنها لم تكن تختلف كثيرا عن غيرها من الأمريكان الذين طبعت في أذهانهم تلك الصورة التقليدية للمسلم الإرهابي بعد أحداث 11 سبتمبر.
توصف ويسلون كيف ساعدها عمر على الانتقال من حالة الخوف المرضى من الإسلام وتخيل صورة غير حقيقة عن المسلمين إلى اكتشاف المعنى الحقيقي للدين الإسلامي وما يتضمنه من قيم تسامح وسلام, وفي رحلتها لاكتشاف الدين الإسلامي وجدت نفسها تزداد قرب من الله ويملأ الإيمان عقلها ويأسر روحها . وتؤكد يلسون أن أغلب البشر يقضوا حياتهم بحثا  عن الإيمان وإذا عثروا عليه يكافحوا من أجل التمسك به, ومع الدين الإسلامي لا يوجد صعوبة في امتلاك هذا الإيمان.
في زيارتها للقاهرة ومع ارتباطها بزوجها عمر أدركت ويلسون أن القرآن الكريم يمنح المرأة المسلمة مكانة خاصة ويعاملها باحترام وتقدير على نحو يتناقض تماما مع الصورة التي رسمها الغرب. وتؤكد ويسلون في صفحات كتابها أن الدين الإسلامي يمنح للمرأة حريتها الكاملة ولايمنعها من الظهور في الأماكن العامة, ويمنحها زمة مالية مستقلة ولا يوجد ما ينص في الدين الإسلامي على أن المرأة أقل من الرجل وأن يجب عليها تغطية وجهها.  لقد اكتشفت ويسلون الوجه الحقيقي للدين الإسلامي مع اكتشافها للحب في قلب القاهرة المدينة الصاخبة الممتلئة بكل التناقضات. لقد وقعت في حب عمر الشاب المسلم المعتدل وتعلمت منه الحب وتعرفت من خلاله على صورة المرأة المسلمة التي تقف إلى جوار زوجها وليس خلفه.
تعترف ويسلون كيف قررت ارتداء الحجاب في محاولة منها للتقرب من زوجها ومنحه هدية لم تمنحها لأحد من قبل وكيف انعكس حجابها على علاقاتها بمن حولها, وهي تؤكد أنها تعاملت مع الحجاب على اعتباره شكل من اشكال تقدير المرأة, فأكثر الأشياء قيمة هي الأشياء التي يتم تغطيتها, ولهذا فأن اختيار المرأة للحجاب هو انعكاس لتقدير المجتمع لها وحمايته لها.  
وقد حملت حياتها في القاهرة وجهين مختلفين, الأول هو  زواجها من عمر واعتناقها الإسلام واندماجها سريعا مع عائلة زوجها التي ساعدتها لبناء حياتها الجديدة مع زوجها, لقد ساهمت عائلة زوجها الودودة على تأقلمها سريعا على الحياة في بلد مختلف ومنحتها هذه العائلة التي تضم عدد ضخم من العمات والخالات معنى مختلف للدفء العائلي. ولكن هذا الوجه الجميل كان يقابله وجه مختلف للظروف التي تعيشها مصر في تلك المرحلة وحالة التوتر والقلق التي تسيطر على الشارع المصري الذي تحول لصفيح ساخن من الأحداث الاضطرابات التي لا تنتهي. كما  لم تستطع ويسلون التي تعرفت على الدين الإسلامي من خلال زوجها عمر الصوفي المحب للسلام والهدوء والذي يرى أن الدين الإسلامي هو دين تسامح أن تستوعب حالة التعصب الديني والتشدد الذي من السهل إدراكه ملامحه في شوارع القاهرة ومساجدها.  ولكن هذا التناقض لم يمنعها من الوقوع في غرام القاهرة التي اكتسبت جاذبية خاصة  في عيونها على الرغم مما تحمله من مشاكل ومتاعب لأي شخص يقرر الاقامة فيها, وفي كتابها ترصد كيف تأقلمت على حياة القاهرة ونجحت في منزلها كزوجة ونجحت في رحلتها بمصر ككاتبة حيث استمرت في كتابة موضوعات عن الحياة القاهرية كما عملت كصحفية في مجلة ويكلي كايرو قبل أن تغلق أبوابها في 2005, وهي تؤكد أن إيمانها وعقيدتها الإسلامية هي التي منحتها السكينة التي تحتاج إليها للنجاح.
تعترف ويسلون أنها لاتزال عاشقة للولايات المتحدة الأمريكية وأسلوب حياتها هناك وأنها تحمل ذكريات طفولتها وشبابها بكل حب وتقدير, ولكن تؤكد أن الدين الإسلامي هو الذي فتح لها باب لعلاقة مختلفة مع الله.
 اليوم تعيش ويسلون وزوجها عمر بين القاهرة وسياتل في الولايات المتحدة الأمريكية وهي متخصصة في كتابة مقالات عن الشرق الأوسط والدين الإسلامي في العديد من المجلات مثل اتلانتيك مانسلي ونيويورك تايمز كما أنها تقدم الكتب المصور وتستوحي قصصها من ثقافة القاهرة وأجواء الدين الإسلامي, ويعتبر كتابها "مسجد الفراشة" هو أول رواية لها.
تصف مجلة النيوزويك كتاب  جي ويلسون "مسجد الفراشة: رحلة شابة امريكية للحب والإسلام" بأنه تجسيد لقصة امرأة عثرت على انتماء جديد في الدين الإسلامي والثقافة المصرية, بينما يأتي كتاب الصحفية الأمريكية "جينفير ستيل" والذي يحمل عنوان " المرأة التي سقطت من السماء"  يحمل صورة أخرى للمرأة المسلمة المتأرجحة بين الاعتبارات العائلية من ناحية والرغبة في الحرية الشخصية من ناحية أخرى, وأن كان الكتابين يجمعهما النظرة المحبة للدين الإسلامي. ذهبت جينفير  إلى اليمن في عام 2006 لكي تعطي دورات تدريبية في اللغة الإنجليزية بجريدة " أوبزرفر" وانتهى بها الأمر إلى إدارة الجريدة لمدة عام استطاعت من خلاله التعرف على مشاكل المرأة اليمينة من خلال زهرة الصحفية المتألقة في جريدتها والتي تختلف بالتاكيد عن الصورة النمطية للمرأة المسلمة التي اعتادت وسائل الإعلام الغربية تقديمها. زهرة كانت تؤكد دائما أنها لن تتزوج لأنها لن تسطيع تحقيق قبول فكرة الحلول الوسطى فيما يتعلق بمستقبلها, وتضيف زهرة أنها ترتدي الحجاب لأنها تحترم نفسها وهي تقول "عند اخفاء الجمال فأن الأشياء الأكثر أهمية هي التي تطفو على السطح".  وعلى العكس من جي ويلسون التي رصدت في كتابها ما تمتع به المرأة من في حقوق  في الدين الإسلامي  رصدت جينفير في كتابها المعاناة التي تتعرض لها المرأة المسلمة بسبب العادات والتقاليد االتي تحكم العديد من الدول الإسلامية وأن كانت حريصة على الفصل بين تقاليد المجتمع الإسلامي وتعاليم الدين الإسلامي. تؤكد جينفير في كتابها أن التقت بنساء مسلمات ارتدين الحجاب الذي لم يمنعهن من العمل والدراسة والبحث عن حياة أفضل, نساء يرفضن الخضوع  لمجتمع يقهرن ولكنهن في نفس الوقت حريصات على التمسك بتعاليم الدين الإسلامي. تعترف جينفير أنها فوجئت بهذه العقلية المتفتحة للمرأة المسلمة التي يغطي الحجاب رأسها ولكنه لايؤثر على عقلها وتفكيرها, و في نهاية كتابها ترصد جينفير كيف تأثرت بصديقاتها من النساء اليمينات وكيف أثرت فيهن, فهي تؤكد أنها غيرت موقفها الرافض للحجاب والذي كرهته منذ لحظة وصولها لليمن وكرهت معه عدم احساسها بجمالها وأنوثتها ولكنها بعد ذلك استوعبت فكرة الحجاب واحترمت فكرة أن المرأة لا يجب أن تظهر أجزاء معينة من جسدها سوى لحبيبها, وعلى الناحية الأخرى  نجحت زهرة في السفر للولايات المتحدة الأمريكية وهناك خلعت العباءة التي كانت ترتديها في اليمن واكتشفت نفسها من جديد وأرسلت إيميل لجينفير تقول لها فيه " لم أكن أشعر أنني جذابة بهذا القدر , لقد أعتقدت أنني غير جميلة ولكن عروض الزواج التي انهالت حولي جعلتني أغير رأي".

مي سمير

الاثنين، 18 يوليو 2011

سهرة في القاهرة

سهرة في القاهرة... كتاب فرنسي عن قاهرة اليوم

قراءة للحاضر وعودة للماضي.

قاهرة العشرينات بملامحها الارستقراطية 
وقاهرة الوقت الحاضر الأقرب  لفتاة فقدت الأمل في استعادة حريتها تحت وطأة الزحام، البطالة والتطرف

كتبت مي سمير
"سهرة القاهرة" كتاب جديد صدر في فرنسا  للكاتب الفرنسي روبير سوليه الذي حاول أن يرسم صورة للحياة في القاهرة، قبل ثورة 25 يناير،  وتجمع سوليه بمصر علاقة خاصة فقد ولد وعاش بها ولم يعود إلى فرنسا إلا بعد قضاء 18 عاما في مصر. لهذا لعبت مصر دور محوري في العديد من رواياته، وفي كتابه الأخير "سهرة في القاهرة" حاول رسم صورة للحياة في القاهرة من خلال مجموعة من الشخصيات التي يقابلها الصحفي تشارلز وهو مصري هاجرت أسرته بعد ثورة يوليو، ومن خلال سهرة تجمع بين عدد كبير من الشخصيات المصرية، وبين صورة القاهرة في الماضي ومايحدث اليوم تدور أحداث الرواية. الرواية تغوص في أعماق الماضي وتقدم صورة مفصلة للحياة في مصر بالثلاثينات والأربعينات, وما بين جاردن سيتي ومصر الجديدة نتعرف على تفاصيل الحياة الاجتماعية الارستقراطية في تلك الحقبة الزمنية وفي نفس الوقت يصطحبنا الكاتب في زيارة تحليلة لقاهرة الألفية الجديدة. 
في هذه المرة كانت رحلته للقاهرة بهدف القيام بمهمة واضحة، لم يأتي للقاهرة لاسترجاع ذكريات الماضي البعيد، لم يبحث عن مغامرة بين الأثار المصرية القديمة كعادة الفرنسيين الذي يأتون لمصر وفي خيالهم صورة مكتشف الأثار الذي يعثر على المدينة المفقودة في قلب الصحراء، كان تشارلز قادم وهو يعلم أن هذه الزيارة سوف تغير للأبد علاقته بوطنه الأصلي مصر، عزائه الوحيد أنه ليس صاحب فكرة هذه الزيارة فهو قادم بتكليف من أفراد عائلته، عائلة البتريكاني.


عاش تشارلز طفولته في القاهرة ولكن ذكرياته عن حياة عائلته في تلك المدينة يرجع الفضل فيها إلى مذكرات خاله ميشيل التي عثر عليها بعد وفاته عام 1980 في جينف، تلك المذكرات سمحت له أن يعرف تاريخ عائلته بالكامل. جورج بيه البتريكاني الجد هو أساس تلك العائلة، مصري من أصول فرنسية وألبانية  يعمل كوكيل لماركات أجنية ونجح في صنع حياة راقية له ولأسرته. كان البتريكاني الجد حريص على الارتقاء بأسرته وبمكانتهم الإجتماعية ولهذا أصر على بناء قصر للعائلة في حي جاردن سيتي عام 1929، لم تكن إمكانياته المادية تسمح له بمثل هذه الرفاهية ولكنه أصر على تلك المخاطرة فقد كان يريد أن يحجز لنفسه مكانة وسط الطبقة الراقية، وعلى الرغم من أن بيته في شبرا كان كفيل بمنحه ما يريد من واجهة اجتماعية إلا أنه كان يريد المزيد تماما كما كان يريد مزيد من التوسع في أعماله التجارية. مع القصر الجديد بدأ عهد جديد للبتريكاني الذي افتتح مصنع للطرابيش منحه لقب ملك الطرابيش قبل أن يحصل على لقب بيه رسميا . من المؤكد أن عملية الانتقال من شبرا إلى جاردن سيتي كانت مؤلمة لجدته يولندا التي كانت تعشق حياة شبرا وتخشى في نفس الوقت على زوجها من مغامرة مالية غير محسوبة ولكنها في النهاية انتقلت لتعيش في قصر فخم لا يفصله عن النيل سوى مسافة قصيرة وهناك تولت تربية أبنائها الستة اندريه، بول، ميشيل، ألكس، لولا وفيفيان والدة تشارلز.

مر شريط الذكريات سريعا وهو في طريقه من المطار، كان يعلم أن جذوره العميقة في مصر اقتصرت اليوم على قصر جاردن سيتي ودينا زوجة خاله ألكس المقيمة في القصر منذ العديد من السنوات. هو يقيم حاليا في باريس ويعتبر فرنسا هي وطنه أما مصر فهي مجرد مكان يزوره على فترات متباعدة يلتقي فيه بدينا.
دينا هي المرأة الحلم التي لم ينساها أبدا، عشقها طفلا، وداعبت خياله مراهقا  ولايزال جمالها على الرغم سنوات عمرها التي تخطت الستين يثير اعجابه. بالنسبة لتشارلز كانت دينا تمثل جزء كبير من صورة مصر التي عاش بها في الماضي، يتذكرها وهي ترتدي البيكيني البرتقالي اللون  على شاطئ العجمي،جسمها الرشيق الذي تتناثر عليه حبات الرمال البيضاء فتمنحه بريق يزيدها جمال، يتذكر كيف وقع خاله ألكس في غرامها على الرغم من اعتراض جدته التي كانت تراها متحررة بشكل زائد، لكن دينا إمرأة لا تعرف القيود تعشق الحياة وتجيد فنون الاستمتاع بها، كانت قادرة على اجبار كل من يقابلها على الاعجاب بها. تذكر تشارلز كيف كان يعشق زيارته لمنزل جده مع والدته فيفيان التي انتقلت للعيش مع والده سليم يارد في مصر الجديدة.  كان سليم بمثابة ابن لجورج البتريكاني، خليفته الذي يحضره من أجل إدارة أعمال العائلة بعد صدمته في ابنه الأكبر اندريه  الذي فاجئ العائلة بقرار الرهبنة، أما بقية الأبناء فلم يكن هناك أحد بينهم يصلح لإدارة التجارة بول يكره مصر والشرق ويبحث عن فرصة للمغادرة، ميشيل هادئ وحالم يقضي وقته في الكتابة أما ألكس فهو لا يعرف من الحياة سوى السهر.

في زياراته القليلة والمتباعدة لمصر كانت دينا تحرص على استضافته وفي هذه المرة أصرت على أن يقيم معها بالقصر بل أعدت سهرة على شرفه دعت فيها ما يمكن أن نطلق عليه مجتمع عالمي صغير. لطفي سلامة أستاذ الأدب المقارن والعاشق الصامت لدينا الذي لايتردد في تقديم الخدمات لها، جاك لويس شمينار الدبلوماسي الفرنسي الذي يصر على إلقاء شعر لا يفهمه أحد، جوسلن عالم الآثار الفرنسي والعاشق التقليدي للآثار المصرية، نجم الورداني النموذج الجديد لرجل الأعمال المصري وصديق تشارلز المتحرر الذي يعشق السهر ويملك ليل القاهرة، فلا يوجد مكان راقي لا يعرفه ولا يوجد باب يغلق في وجهه ولا توجد إمراة تقاوم إغرائه خاصة مع سيارته البي أم دبيل. على الرغم من تحرر الورداني إلا أن لحياته وجه آخر اكتشفه تشارلز عندما زاره في منزله ليفاجأ أن سهير شقيقته ترتدي النقاب، ولم يتردد تشارلز في إعلان دهشته كيف لبيت تربى فيه رجل مثل الورادني تخرج منه فتاة مثل سهير، التناقض بين الشقيقين هو انعكاس للتناقض في الشارع المصري الذي تتنشر فيه معالم التدين الظاهرى من حجاب ولحية تماما كما تنتشر الفوضى. وتكشف حياة الورداني جانب آخر من التناقض الذي لا يمكن العثور عليه سوى في مصر، فسائق الورداني خريج كلية الحقوق فضل العمل كسائق فهو يكسب أكثر من كل زملائه الذين عملوا بشهادة الحقوق، وفقط في القاهرة يمكن أن تقابل سائق يكسب أكثر من المحامي أو وكيل النيابة.
هذه الصورة المتناقضة للقاهرة تختلف تماما عن الحياة التي يتذكرها عن طفولته في مصر الجديدة  التي أسسها البارون البلجيكي امبان، لقد أسس واحة في قلب الصحراء، واحة تجمع أجزاء العالم في القاهرة، المساجد والكنائس جنبا إلى جنب، البقال اليوناني، محل التصوير الأرماني، المخبز السويسري، الجواهرجي المالطي، حياة يمتزج فيها العالم تماما مثل الإسكندرية، ومن المؤكد أن قاهرة الأمس تختلف تماما عن قاهرة الورداني  كما تختلف سهير عن دينا التي كانت تحرص على قيادة السيارة الشيفورليه المكشوفة وتترك للهواء حرية التلاعب بشعرها بالأربعينات من القرن الماضي.  لقد انتهت هذه الحياة مع رحيل الجد واختيار الأبناء الهجرة خارج مصر بعد قيام الثورة.  لم يبقى في مصر من أعمامه سوى اندريه،أما بول وميشيل فقد فضلا الذهاب إلى جينف، ألكس اختار بيروت، أما بولا فقد ذهبت مع زوجها إلى مونتريال.  في البدابة فضل والد  تشارلز  البقاء في القاهرة ولم يهاجر مع بقية  أشقائه ولكن مع حركة التأميم ومع زيادة الحصار على العائلة كان قرار الهجرة والذهاب إلى لبنان.


رحلة هروب عائلته من مصر لعب بطولتها الضابط حسن صبري، كانت فيفان والدة تشارلز تعرف جيدا حسن صبري فقد تربي في قصرهم بجاردن سيتي عندما كان يأتي مع عمه رشيد السفرجي الذي كان يتولى تربيته بعد وفاة والديه. لقد لجأ رشيد إلى البتريكاني الجد لكي يتوسط لحسن من أجل دخول المدرسة الحربية التي فشل في دخولها أكثر مرة وبالفعل بعد تدخل البتريكاني تمكن حسن من تحقيق حلمه في ارتداء بدلة الضابط، لهذا لم تشعر فيفيان بالتردد وذهبت إليه على أمل أن يساعدها في الحصول على الفيزا والغريب أنها حصلت بالفعل على الفيزا على الرغم من أن الضابط حسن صبري كان يكره العائلة ولم يتردد في التعالي على أفرادها في أكثر مناسبة بعد قيام الثورة. ولفترة طويلة كان تشارلز يسأل نفسه لماذا وافق حسن صبري على منحهم الفيزا، ماذا اعطته والدته في مقابل هذه المساعدة وأسئلة كثيرة دارت في عقله ولكنه لم يعثر على إجابة لها، ولكن المؤكد أن مشاعر كراهية نمت في قلبه تجاه الضابط حسن صبري، وقد ماتت هذه المشاعر عندما قرأ في إحدى الدوريات التي كان يحتفظ بها خاله ميشيل موضوع عن وفاة اللواء حسن صبري أثناء مشاركته في حرب 1973 وبورتريه عن حياته وكيف نجح على الرغم من جذور حياته البسيطة في أن يصبح ضابط بالجيش.
شريط الذكريات الخاصة بحسن صبري توقف فجأة وعاد تشارلز مرة أخرى  لسهرة القاهرة وحاول الاندماج في الأحاديث العديدة ومنها الحديث عن السينما وفيلم أحمد ذكي "أيام السادات" واعجاب الجميع بهذا الممثل الرائع الذي قدم من قبل دور جمال عبد الناصر وقد علق أحد الحاضرين على قدرة أحمد ذكي التمثيلية الفذة التي تجعله قادر على تقديم أي دور حتى دور الملكة حتشبسوت. لم تكتسب الحفلة خصوصية من وجهة نظر تشارلز إلا مع وصول أميرة  الأستاذة الجامعية التي جذبته منذ اللحظة الأولي لدخولها، فتاة مصرية جميلة استكملت تعليمها العالي ونجحت في إجادة اللغة الفرنسية على الرغم من عدم دخولها مدرسة لغات والعاشقة لشارل ديجول الزعيم الفرنسي وبسببه أصرت على تعلم الفرنسية. نجحت أميرة في جذب تشارلز ولأول مرة منذ فترة طويلة  يخوض حوار طويلا مع سيدة مصرية غير دينا. أثناء اندماجه في الحفل واستمتاعه برفيقته طلبت منه دينا أن يأتي لها بشالها الأبيض، لم يكن تشارلز يعلم أن تلبيته لهذا الطلب يخبأ له مفاجأة من العيار الثقيل، فقد ذهب للبحث عن الشال في غرفة دينا وفي تلك الأثناء عثر على صورة أصابته بصدمة.
لقد جمعت الصورة بين دينا ووالده سليم يارد، صورة في ربيع1973 أمام فندق بارومانا في لبنان، هذا الفندق هو نفسه الذي دعى فيه خاله ألكس العائلة بأكلمها، ولكن الدعوة كانت في الشتاء، بينما الصورة كانت في الربيع، الزهور التي تتوسط سليم ودينا تؤكد أن الصورة لم تلتقط في الشتاء، ترى هل جمع الحب بين دينا وسليم، هل خانت دينا خاله ألكس مع والده، هل ملت مغامراته التجارية التي تنتهي عادة بالفشل مثل فندق الحيوانات الأليفة أو الكازينو ووقعت في غرام سليم الرجل الجاد والعاشق للعمل، قبل أن يعثر على إجابة لتساؤلاته العديدة فوجئ تشارلز بقدوم لطفي سلامة، لقد أرسلته دينا لكي يساعد تشارلز في العثور على الشال.
لكن الصدمة الحقيقية التي شهدتها السهرة لم تكن في تلك الصورة ولكن في فقدان دينا للوعي أثناء الرقص، لقد أعتقد تشارلز انها ماتت ولكنها سرعان ما استعادت وعيها من جديد وطلبت كأس ويسكي، هكذا هي دينا قادرة على إثارة الدهشة. استمرت الحفلة إلى الساعات الأولى من النهار كالعادة.
بعد انتهاء الحفلة أدرك تشارلز أن الوقت قد حان لتنفيذ المهمة التي أتى من أجلها لمصر، فقد اجتمعت عائلته في جينف كما تفعل عادة كل عدة سنوات واتفق الجميع على بيع قصر جاردن سيتي، وتطوع تشارلز بمهمة إعلام دينا بهذا القرار، كان يعلم أن المهمة صعبة ولكن أحفاد ملك الطرابيش يريدوا قطع الخيط الوحيد الباقي في علاقتهم بمصر، والأدق يريدون بيعه.
المثير أن في صباح اليوم التالي لهذه السهرة التي تعرف من خلالها تشارلز على شخصيات عكست شكل الحياة في مصر سواء نجم الورداني  رجل الأعمال ماركة الألفية الجديدة وما تحمله عائلته من تناقضات أصبحت أمر واقع في مصر، أوأميرة النموذج الجديد للمرأة المتحررة في مصر، أو لطفي سلامة الأستاذ الجامعي الذي يبدو أنه يشاهد العالم من خلف مكتبه الجامعي، في هذا الصباح وقبل أن يفاتح تشارلز دينا في السر وراء قدومه فوجئ بها تتحدث عن بيع القصر، لقد فهمت دينا سر زيارته وأدركت أن أحفاد البتريكاني الذي انتشروا في مختلف أنحاء العالم  يريدون بيع القصر، الأكثر إثارة أن دينا كان لديها المشترى الذي لم يكن سوى سوى حسن صبري، وعندما أكد لها تشارلز أنه قرأ خبر وفاته في الجرائد أكدت له دينا أن الأمر مجرد تشابه أسماء، فحسن صبري لايزال على قيد حياة بل أن تشارلز قابل حفيدته التي لم تكن سوى أميرة الفتاة التي أثارت اعجابه. عرض حسن صبري على دينا شراء القصر من أجل جمعية ثورة 19 والتي ستتولى دفع ثمن القصر.
دينا كانت تستعد هي الأخرى لمغادرة مصر وزيارة أقاربها  الذين انتشروا في مختلف أنحاء العالم، فهي تشعر بالحنين لأهلها وتشعر أنها وعلى الرغم من عدم مغادرتها لوطنها تعيش في منفى. أما تشارلز فقد قرر هو الآخر مغادرة القاهرة، لم يعد يشعر أنه ينتمي لهذا المكان، ففي كل مرة يأتي إلى مصر يراوده أمل العثور على الجنة المفقودة، يحلم بحياة شبيهة للحياة التي عاشها طفلا، يحلم بالنيل الساحر والصحراء الخلابة والأخلاق الجميلة والضحك الذي لا ينتهي، ولكن يبدو أن العيب ليس فقط في القاهرة، هو نفسه لم يعد هذا الطفل الصغير الذي يرى دائما الصورة خالية من العيوب.
مي سمير