أم اس ان بي سي: تكشف أسرار سلاح أوباما السري لمصر
بمكياجها البسيط الذي يعتمد على أحمر الشفاه الشاحب ومانيكير بيج ، مع وشاح من الأزهار المطبوعة المربوط بشكل فضفاض حول عنقها ، تبدأ آن باترسون مشوار اثبات وجودها في مصر كسفيرة للولايات المتحدة الأمريكية. عندما كانت باترسون سفيرة للولايات المتحدة الأمريكية في باكستان تصدت السفيرة الأمريكية للجنرالات في بلد وصفته بأنه في حالة تمرد محلي محتدم.
يوم الخميس الماضي قال الاميرال مايك مولين رئيس هيئة الأركان المشتركة انه يعتقد أن مسؤولين باكستانيين وقعوا عقوبات في قضية مقتل الصحفي الذي كتب عن الجيش، ومن جانبها عبرت باترسون عن غضبها الشديد مما حدث. هذه الأجواء المضطربة في باكستان جعلت من باترسون الاختيار الأمثل من وجهة نظر إدارة الرئيس الأمريكي أوباما من أجل مواجهة الأوضاع في مصر.
وصفت نانسي سودبرج الدبلوماسية السابقة رفيعة المستوى في الأمم المتحدة موقف باترسون قائلة "هي تتجه من الرماد إلى النار". تبدأ باترسون مهامها الجديدة في مصر هذا الشهر، وتعترف بأن التوقعات لما سيحدث في مصر مرتفعة للغاية سواء في واشنطن أو خارجها، إذا سارت الأمور على خير ما يرام سوف تشهد السفيرة الأمريكية التحول الديمقراطي لدولة كافحت كثير من أجل هذه اللحظة، وإذا سارت الأمور بشكل سيئ فأن باترسون سوف تواجه وضع ليس بالجديد عليها.
بعد ثماني شهور من مغادرة إسلام إباد وبمهمة جديدة في الأراضي المصرية، بدأت التحليلات لمهمتها في باكستان حيث نجحت باترسون في مواجهة الجنرالات خلال ثلاث سنوات قضتهم كسفيرة للولايات المتحدة الأمريكية، فمن غير الواضح مدى استعدادها للوقوف مع عملية الانتقال الديمقراطي، يحتل هذا السؤال أهمية خاصة وهي في طريقها القاهرة التي أصبحت مركز للحركة الديمقراطية في العالم العربي وحيث تردد أوباما والبيت الأبيض كثيرا من أجل التدخل.
مثل أغلب الدبلوماسيين تجد باترسون نفسها في بعض الأحيان على الجانب الصحيح من التاريخ وفي أحيان أخرى تقع في الجانب الخطأ. زلة بسيطة ارتكبتها باترسون كانت سببا في تغيير مسار التاريخ، في أكتوبر عام 2007 هجم الإرهابيين على موكب مرشحة رئاسة الحكومة بينظير بوتو مما أسفر عن مقتل أكثر من 130 شخصا، وبعد ذلك بعدة أيام اتجهت باترسون لزيارة بوتو بمنزلها في كراتشي، وطلبت بوتو من السفيرة الأمريكية توفير حماية شخصية لها ولكن باترسون رفضت، وأوضحت أن الولايات المتحدة الأمريكية توفر الحماية في بعض الأحيان للقادة الأجانب ولكن ليس أثناء خوض الحملات الانتخابية. بعد تسعة أسابيع تم اغتيال بوتو. يعلق مارك كوراترمان الذي ترأس فريقا للأمم المتحدة حقق في عملية اغتيال بوتو بأن الحماية الأمنية التي تم توفيرها لبوتو كانت سيئة للغاية ومهملة. عندما سألت باترسون عن قرارها بعدم توفير الحماية لبوتو أكدت السيدة الأمريكية بأنها لا تشعر بالندم. الكثير من المحللين يؤكدون أن القرار بعدم توفير الحماية لبوتو كان قرار خطأ، وأضافوا أن تصريحات باترسون بأن الولايات المتحدة يجب أن تبتعد عن السياسة الداخلية للدول الأخرى هي تصريحات مخادعة. في إحدى وثائق ويكليكس التي يعود تاريخها إلى مارس 2009 ، أكدت باترسون لزعيم سايسي مسلم في باكستان أراد الحصول على دعم الولايات المتحدة الأمريكية بأن بلادها لا تتدخل في شئون الدول الأخرى الداخلية، وعندما طلب منها التعليق على تلك البرقية اكتفت باترسون بالتأكيد في تصميم عدم رغبتها التعليق على وثائق ويكليكس.
يقول خبراء السياسة الخارجية أن السياسة الخارجية تسمح للأشخاص والدول الكذب بشأن بعض المبادئ، وفي تلك الحالة فأن باترسون قامت بحماية المصالح الأمريكية. ويشير المحللون السياسيون أن باترسون تمتلك تلك الخبرة في تمثيل دولة كبرى وفي حماية مصالح نلك الدولة بذكاء وفطنة، مما يجعلها سفيرة من طراز فريد تستطيع مواجهة الكثير من المواقف الصعبة عندما تتعرض الولايات المتحدة للانتقادات. ولا تتمتع باترسون بشخصية عنيدة فهي تدافع عن مواقفها وفي نفس الوقت تؤكد بدبلوماسية العواقب السيئة الناتجة عن بعض القرارات كما أكدت أن اغتيال بوتو كان خسارة كبيرة.
باكستان كانت دائما حليف الولايات المتحدة النووي الذي يتصرف بشكل مستمر كعدو، ولهذا شكلت باكستان تحدي كبير للسياسة الخارجية الأمريكية حيث لعبت المخابرات المركزية الأمريكية دور كبير في تهدئة الأوضاع. تعترف باترسون بأنها اعتمدت على المخابرات الأمريكية في باكستان كما أكدت في مؤتمر استضافته مركز الأمن الأميركي الجديد في واشنطن الشهر الماضي حيث صرحت قائلة "أن برنامج الولايات المتحدة الاستخباراتي شهد نجاح في باكستان". ومن المعروف أن العمليات المخابرات الأمريكية في باكستان كانت سبب في خلق أعداء للولايات المتحدة الأمريكية وفي صنع خلافات ومشاكل في باكستان، ولكن باترسون عبرت عن امتنانها للمخابرات الأمريكية مما جعلها عرضة للانتقادات.
خدمت باترسون في السلفادور في منتصف التسعينات أثناء حرب المخدارت، وفي كولومبيا مع الألفية الجديدة، وقد ساعدتها خبرتها الكبيرة في إدارة الأمور في إسلام أباد حيث تجرى عمليات المفاوضات والمسدسات موجهة على رأس الجميع.
يصفها فالي ناصر مستشار سابق للمبعوث الخاص لأفغانستان وباكستان قائلا "هي سيدة صغيرة الحجم ومن الممكن التقليل من أهميتها ولكن الباكستانيين أدركوا أنها صارمة كالمسمار".
المحللة السابقة في المخابرات الأمريكية تصفها بأنها لديها قدر من التواضع يجعلها قادرة على التلاعب بالناس كما تريد في الوقت الذي يعتقدوا فيه العكس.
تخرجت باترسون من كلية ولسلي، تبلغ من العمر 61 عاما، مشهور بقدرتها على قراءة الناس والعمل بجدية، في إحدى المرات سهرت للثانية صباحا من أجل المتابعة مع الرئيس الأمريكي بشأن تطور الأوضاع في باكستان ثم استيقظت في موعدها المعتاد وبدأت عملها في نشاط لتلحلق بموعد على الافطار مع عضو في مجلس العلاقات الخارجية.
وتتبع باترسون سياسة أن السفير الناجح عليه أن يعيش في البلد الذي يمثل وطنه فيه، والمقصود بالعيش هو الخروج بعيدا عن أسوار السفارة والتحرك بين أرجاء الدولة والتعرف على شعبها ومعالمها المختلفة. وكما يؤكد فالي ناصر فقد نجحت باترسون في صنع علاقات قوية داخل باكستان وكان الكثيرون يتمنون استمرارها في موقعها، والكثير من الخبراء السياسين يروا أن السياسية الأمريكية في باكستان على المحك منذ مغادرة باترسون. لقد نجحت السيدة الأمريكية في التقرب من عناصر الجيش الباكستاني وصنعت صداقة مع الجنرال أشفق برفيز كياني ، رئيس الجيش الباكستاني كما تؤكد إحد وثائق ويكليكس. بل أن أحد الدبلوماسيين يؤكد أن السفيرة الأمريكية كان كتف يبكي عليه قائد الجيش في باكستان. ولكنها في نفس الوقت حافظت على المساحة التي تساعدها على إدارك متى يقدم الجنرال وعود غير حقيقية بشأن الديمقراطية من أجل اسعاد الجمهور الذي يستمع إليه.
مع مهمتها القادمة في مصر تتمنى باترسون أن تساعدها خبرتها السياسية ولغتها العربية التي كانت تجيدها في الثمانينات من القرن الماضي لكي تنجح في عمليها كسفيرة أمريكا في مصر بتلك المرحلة الحاسمة. سوف تعمل على تحديث برنامج المعونة الأمريكية في مصر بمجرد وصولها، والأهم أنها سوف تحافظ على تفاؤلها في التعامل مع مصر...تفاؤل قد تحتاجه مصر.
مي سمير