يجد الليبراليون واليساريون أنفسهم في حلقة مفرغة سلبية، بالتركيز على لعبة قصيرة المدى على حساب التحضير للانتخابات
لحين اجراء الانتخابات، من المرجح أن نشاهد المزيد من الاستقطاب بين الجيش والمعارضة واستقطاب داخل المعارضة بين الاسلاميين والقوى الليبرالية الناشئة حديثا
المشهد السياسي المصري يبدو منقسم تسيطر عليه حالة من الخوف وعدم اليقين.
طرحت الدورية السياسية الأمريكية ناشيونال انترست سؤال هل ستظل مصر دول عسكرية؟ وترى المجلة أن مصر لاتزال تخضع للحكم العسكري الذي كان لفترة طويلة العمود الفقري لنظام مبارك. ولكن هذا الوضع كان سببا في خروج الآلاف عشرات الالاف للاحتجاج في انحاء البلاد منذ يوم 8 يوليو ،بسبب الإحباط من أداء النظام العسكري وعدم تحقق الأرباح الثورية . خرج المتظاهرون الذين يمثلون مجموعة واسعة من الفصائل، من الحركات الشبابية الليبرالية إلى انبعاث السلفيين ، للتعبير عن غضبهم إزاء تباطأ الجيش.
لكن نتائج المظاهرات التي بدأت في 8 يوليو أظهرت مرة أخرة الطبيعة الخاطئة لعملية التحول في مصر. في اليوم التالي ، ظهر رئيس الوزراء عصام شرف على شاشة التلفزيون واعدا بتطهير الشرطة من جميع الأشخاص المشتبه في قتلهم متظاهرين خلال انتفاضة ال 18 يوما في البلاد (واحد من مطالب المعارضة الرئيسية). هذا يعني أن المظاهرات أدركت تأثيرها القوي وأن التغيير ممكن ولكن الأولوية يجب أن تكون في القضاء على "بقايا مبارك" وليس على عملية الانتقال الديمقراطي.
ويبدو أن الطريقة الوحيدة الصالحة لمساءلة الجيش هي اللجوء لميدان التحرير.لقد تحقق مطالب محاكمة مبارك وأسرته، محاكمة مسئولي النظام السابق و تطهير جهاز أمن الدولة عن طريق الضغط الجماهيري في ميدان التحرير.وترى المجلة أن مصر لم تشهد ثورة ثانية ولكن احتجاجات لاستكمال الثورة الأولى، ولكن مع بقاء الوضع على ما هو عليه فمن غير المحتمل أن تشهد مصر ثورة ثانية. هذا هو الشكل الجديد في مصر، المتظاهرون يحتجون والنظام يضمن مزيد من الامتيازات. المتظاهرون يحتجون من جديد وهلم جرا.
إذا كانت المشكلة تكمن في الجيش ( كما تعتقد أغلب قوى المعارضة)، فالحل بسيط وواضح وهو العودة للثكنات. الغريب، أن الكثير من القوى الليبرالية واليسارية الذين شاركوا في المظاهرات كانوا من ضمن الذين أيدوا توجه الدستور أولا، وهذا يعني تأخير الانتخابات البرلمانية في سبتمبر وهذا يعني بقاء الجيش لفترة أطول في الحكم. من بين أمور أخرى ، تعتقد هذه القوى انهم بحاجة إلى مزيد من الوقت من أجل التنظيم للتصدي لصعود الإخوان المسلمين وأعضاء الحزب الوطني الديمقراطي السابقين.
يجد الليبراليون واليساريون أنفسهم في حلقة مفرغة سلبية، بالتركيز على لعبة قصيرة المدى على حساب التحضير للانتخابات. في الواقع لحين اجراء الانتخابات، من المرجح أن نشاهد المزيد من الاستقطاب بين الجيش والمعارضة ، واستقطاب داخل المعارضة بين الاسلاميين والقوى الليبرالية الناشئة حديثا. أكثر من أي شيئ، هذا يعتبر صدام المنافسة التي تتحول بسرعة إلى صراع. أن الجيش يؤكد أنه يحافط على الثورة بضمان الاستقرار ولو على حساب الحرية. الليبراليون الذين لعبوا دور بارز في اسقاط مبارك يشعرون أن أفكار الثورة لا تتحقق على أرض الواقع. في تلك الأثناء تستخدم جماعة الإخوان المسلمين تاريخها السياسي ودورها في الثورة للدعاية لنفسها.
هذه المنافسة لا مفر منها، فمن الصعب استمرار المشهد الرائع من الوحدة والتضامن الذي ميز أول 18 يوما في ميدان التحرير حيث جمعت الكراهية للرئيس مبارك المعارضة معا. وتلاقت مصالح المعارضة ولوفترة وجيزة مع مصالح الجيش، لكن اليوم وبعد مرور خمسة أشهر من الشعار الشهير "الجيش والشعب إيد واحدة" فأن المشهد السياسي المصري يبدو منقسم تسيطر عليه حالة من الخوف وعدم اليقين.
سوف تزداد حدة المنافسة بين كل هذه التيارات على النفوذ والسيطرة على ثورة لم تنتهي بعد. وأظهرت الاحتجاجات الضخمة الأخيرة بأن عددا متزايدا من المصريين غير راضين عن إدارة البلاد العسكرية. مادام الجيش يتفاعل بشكل غير سليم مع استمرار الثورة، مادام لم يضع نهاية لحالة الطوارئ ، وتفكيك النظام القديم ، ووضع حد لاستخدام المحاكم العسكرية والمواطنين ، سوف تستمر المظاهرات في التحرير. ولكن علينا أن نتذكر أنه على الرغم من الجهود التي يبذلها المعتصمين في ميدان التحرير، فإن التغيير السياسي الحقيقي والدائم لن يأتي على الأرجح من خلال المزيد من الاحتجاجات الجماهيرية ، ولكن بالتأكيد من خلال صناديق الاقتراع الأقل بريق.
مي سمير
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق