كتاب أمريكي يرصد خارطة التحول الديمقراطي في مصر
في كتاب جديد "مسارات إلى الحرية: الدروس السياسية والاقتصادية
من التحولات الديمقراطية" يسلط الكاتبان ايزابيل كولمان وتيرا لوسون ريمر
الضوء على العوامل الحاسمة لنجاح أي ديمقراطية ناشئة.
الكتاب صدر عن دار النشر التابعة لمجلس العلاقات الخارجية
الأمريكية وهو مؤسسة بحثية مستقلة و مركز للمعلومات أسس
عام 1921 لصالح المسؤولين الحكوميين، الشركات الخاصة،
المؤسسات الصحفية والقادة السياسيين.
يقدم الكتاب دليل للدول التي تمر بمرحلة تحول ديمقراطي
ويرصد أسس نجاح عملية التحول الديمقراطي في ضوء تجارب
عدد من الدول التي مرت بنفس تجربة الانتقال من نظام سلطوي
إلى نظام ديمقراطي. يبدأ الكتاب بالإشارة أن تأسيس دولة ديمقراطية
ليس بالأمر السهل، وإذا كان سقوط سور برلين الذي كان مصدر الإلهام
الأول للثورات الشعبية قد أسفر عن تأسيس ديمقراطية حقيقية، فأن الثورات
التالية والتي سعت لتأسيس أنظمة ديمقراطية في أوربا شرقية، أفريقيا،
وأمريكا اللاتينية لم تلقى نفس النجاح وتعرضت للكثير من العقبات تماما
مثل دول الربيع العربي. على الناحية الأخرى فشلت الولايات المتحدة
الأمريكية في فرض الديمقراطية بالقوة في العراق أو أفغانستان وكان لهذا
الفشل ثمن فادح على كافة المستويات.
الربيع العربي الذي تحول إلى خريف على يد تيارات الإسلام السياسي
التي سيطرت على مقاليد الحكم دفع الكثير من المحللين الغربيين إلى القاء
ظلال من الشك حول إمكانية نجاح التحول الديمقراطي في مصر وغيرها
من دول الربيع العربي. وفقا للكتاب فأن دول الربيع التي تسعى لتأسيس نظام
ديمقراطي تبدو وكأنها سقطت في فخ الصراعات السياسية التي تصاحبها
مشاكل اقتصادية لاحصر لها من الفقر إلى البطالة. في نفس الوقت تأتي
الصين كنموذج لدولة استبدادية ولكنها تحقق نمو اقتصادي يذهل العالم لتقدم
نموذج متناقض مع النموذج الغربي الديمقراطي وبالتالي تطرح سؤال مهم
حول جدوى تطبيق الديمقراطية.
في ظل هذه الشكوك يؤكد الكاتبان الأمريكان أن على مصر وغيرها
من دول الربيع العربي ادراك أن عملية التحول الديمقراطي ليست عملية
سهلة ومن الطبيعي أن تشهد العديد من الصعوبات. ويشهد التاريخ أن عملية
التحول الديمقراطي تتسم عادة بالبطء إلى أن تنجح الدول في تأسيس نظام
ديمقراطي تتمتع فيه الأغلبية الحاكمة بالمرونة ولاتسعي للسيطرة المنفردة
على الحكم، وتتسم الأقلية بالقوة، ويوفر الدستور حماية للحقوق المدنية.
ولكن تطورات الأحداث في مصر أو تونس تشير أن عملية التحول
الديمقراطي ستكون في أغلب الأحوال رحلة طويلة ووعرة.
يقدم الكتاب تجارب تحول ديمقراطية شهدتها ثماني دول هي بولندا،
أوكرانيا، تايلاند، إندونيسيا، والبرازيل، والمكسيك، ونيجيريا وجنوب
أفريقيا، ويخرج من هذه المقارنة بأهم الدروس المستفادة من هذه التجارب
ويقدم في النهاية سبع خطوات أساسية لنجاح أي تجربة انتقال من نظام
سلطوي إلى نظام ديمقراطي. وهي الخطوات التي إذا تأملنها سوف نكتشف
من ناحية كيف عجز النظام الإخواني على تطبيقها، ومن ناحية أخرى كيف
يمكن أن تمثل دليل للمرحلة ما بعد الإخوان.
أولا: مزايا الأزمة الاقتصادية
يعتقد العديد من الخبراء أن النمو الاقتصادي يؤدي حتما إلى الديمقراطية.
وعلى الرغم من أن معظم البلدان الغنية هي دول ديمقراطية نسبيا إلا أن
هناك دول أخري مثل الصين والسعودية يتمتعوا بتزايد الرخاء الاقتصادي
دون زيادة متناسبة في الحريات السياسية.
على ناحية أخرى تشير الدراسات أن الأزمات الاقتصادية تشكل في
الواقع حافز قوي لتغيير النظام السياسي. على مدى العقود الثلاثة الماضية،
شهدت العديد من التحولات الديمقراطية صدمات اقتصادية خطيرة عجلت
بالقضاء على النظام الاستبدادي. تعد أندونيسيا هي أفضل نموذج لدور الأزمة
الاقتصادية في أحداث تغيير سياسي، فقد أدت الأزمة الاقتصادية التي عصفت
بآسيا في عام 1997 إلى الدفع بإصلاحات اقتصادية وسياسية. في البرازيل،
مهدت الأزمة الاقتصادية الهيكلية في الثمانينات الطريق للانتقال من الحكم
العسكري إلى الديمقراطية. شهدت المكسيك مسار مماثل حيث أطلقت أزمة
الديون عام 1982 التغيير السياسي والاقتصادي.
في الشرق الأوسط ، لعبت الصدمات الاقتصادية مثل ارتفاع أسعار المواد
الغذائية والبطالة بين الشباب دوراً قويا في إطلاق ثورات السنوات الأخيرة
على الرغم من أن قدرة البلدان العربية على توطيد الديمقراطية في ظل
الأزمات الاقتصادية لاتزال غير مؤكدة. والمهم أن يدرك الساسة أن الأزمة
الاقتصادية تمهد الطريق لإجراء الإصلاحات السياسية اللازمة، وفي الوقت
الذي تشكل الأزمة عبء في الوقت الحالي فأنها على الجانب الآخر تفتح الباب
لترسيخ إصلاح ديمقراطي على المدى الطويل.
ثانيا: أهمية الانتخابات
أثبت التجربة أن الانتخابات حتى لو كانت بدايتها مجرد
إجراء صوري فأنها سوف تؤدي بمرور الوقت إلى مزيد من النجاح
في الانتقال إلى الديمقراطية. غالبا ما شجب المراقبين الدوليين
الانتخابات المعيبة باعتبارها محاولة من النظام السلطوي
لتجميل ديمقراطية لا معنى لها، ولكن يمكن للانتخابات
أيضا أن تضع بذور التوقعات العامة التي تزدهر على مر
الزمن إلى مطالب للديمقراطية لا يمكن تجاهلها.
تقدم المكسيك مثالا عظيما عن العواقب غير المقصودة
للانتخابات الغير حرة. في السبعينات، سعى الحزب الثوري
المؤسسي الحاكم للحصول على الشرعية الانتخابية حتى مع
فشل المعارضة الموالية على تقديم مرشح للرئاسة في عام
1976، وقامت الحكومة بمراجعة قوانين الانتخابات لجعلها
أسهل للمعارضة لكسب بضعة مقاعد. وكانت المفاجأة عندما
ضربت الأزمة الاقتصادية المكسيك في بداية الثمانينات، حيث
تمكنت المعارضة من استخدام هذا الانفتاح السياسي الصوري
في حشد منظمات المجتمع المدني في حملة من أجل انتخابات
أكثر شفافية.
بالمثل تسامح النظام العسكري في البرازيل مع المعارضة
طالما أنها تخضع لسيطرته. ولكن مع الأزمة الاقتصادية في بداية
الثمانينات التي أدت إلى استياء واسع النطاق، بدأ الجيش في فقدان
قبضته على الوضع السياسي، ونجحت المعارضة في تحقيق انتصار
كبير مفاجئ في انتخابات البرلمان والحكم المحلي عام 1982 وتم
مهيد الطريق لسقوط الجيش في الانتخابات الرئاسية لعام 1986.
هناك أمثلة أخري تشير أن الانفتاح السياسي لو كان جزئي أو حتى
صوري من المرجح أن يساهم في تحويل الأنظمة الاستبدادية لكي
تصبح أكثر ديمقراطية.
ثالثا: الحذر من المليشيات المسلحة ودعم حركات المعارضة السلمية
كثيرا ما تفشل حركات التمرد المسلحة في أن تؤدي إلى الديمقراطية،
ويمتلأ التاريخ بالانتفاضات الفاشلة والإنقلابات عسكرية والثورات
العنيفة التي لم تنجح سوى في استبدال أحد أشكال الديكتاتورية
بشكل جديد. من الناحية الأخرى الحركات السلمية والتعبئة الجماعية
لديها سجل حافل في وضع الأساس من أجل التغيير الديمقراطي.
أدرك أنصار اللاعنف، من غاندي إلى مارتن لوثر كينج، أن
الاحتجاجات السلمية المستمرة تؤدي إلى مزيد من انخراط المواطنين
في السياسة مما يضع أساس لمجتمع مدني منظم بشكل أفضل قادر
على مواجهة التحديات التي لا مفر منها في عملية التحول الديمقراطي.
تجربة بولندا مع اتحاد التضامن، وهو حركة اجتماعية سياسية نجحت
في ضم ربع السكان كأعضاء لها، توضح كيف يمكن لحركة شعبية
سلمية أن تكون مفيدة في عملية الانتقال الديمقراطي. حركات التحرر
واسعة النطاق التي عرفتها جنوب أفريقيا على مر عدة عقود في
مرحلة الفصل العنصري وضعت أساس لمجتمع مدني قوي ومؤثر.
في إندونيسيا استفادت المرحلة الانتقالية من انغماس المواطنين
في العمل السياسي، حيث قدمت احتجاجات الشوارع في
عام 1997 و 1998، وارتفاع عدد الناخبين في عام 1999
قاعدة واسعة من المواطنين أصحاب الوعي السياسي القادرين
على تحمل مرحلة عدم اليقين أثناء التحول السياسي.
في المقابل لم تحقق بعض الحركات السلمية نجاحا،
مثل تجربة أوكرانيا في التعبئة السلمية أثناء الثورة البرتقالية
في عام 2004 حيث نزل مئات الآلاف من المتظاهرين في
شوارع كييف، ولكن الحشد كان قوة سلبية تفتقر إلى العمق
وحيوية الحركة الشعبية الحقيقية.
وقد تغلبت بعض البلدان، مثل ناميبيا والسلفادور، على البدايات
العنيفة لتتطورمسار الديمقراطية. وبعض الأنظمة الديكتاتورية الشمولية
لا تأتي نهايتها إلا من خلال العنف: على سبيل المثال معمر القذافي،
كان مصمما على محاربة شعبه مما أدى إلى تلك النهاية المريرة.
لكن ليبيا مستمرة في عملية الانتقال الديمقراطي، ولاتزال الميليشيات
التي ساعدت في الإطاحة بالقذافي ومناخ الفوضى الذي سيطر على الأوضاع
يشكلوا عقبات كبيرة في تحقيق الاستقرار.
في هذا الاطار ينبغي للمجتمع الدولي تعزيز بناء المجتمع المدني
من خلال التبادلات المدنية وتقديم الدعم لمنظمات المجتمع
المدني المحلية، مع ضمان أن منظمات تخدم مجتمعها
ولا تحمل أجندا خارجية مرتبطة بمصادر التمويل.
كما أن دعم وسائل الإعلام المستقلة التي من العوامل الحاسمة للديمقراطية الوليدة.
رابعا: تشجيع النمو الشامل
يرفع الوعد بالحرية السياسية من توقعات الشعوب
فيما يتعلق بالفرص الاقتصادية والاجتماعية.
بشكل أساسي يعتمد نجاح الديمقراطيات الناشئة على ما إذا كانت
الديمقراطية يمكن أن تؤدي أيضا إلى تحسين ظروف الناس ماديا.
عندما يرى المواطنون تحسن في مستويات المعيشة، يزداد
دعمهم للساسة مما يخلق حلقة من ردود الفعل القوية الايجابية
التي تساعد على توطيد الديمقراطية. من ناحية أخرى،
إذا ارتفع معدل البطالة، وظل الوضع الاقتصادي دون تحسن
ولم يتغير شيء بالنسبة للجماهير، فمن المتوقع أن ينقلب الشعب
على النظام الجديد. نجحت البرازيل في في التسعينات وبداية
الألفية الجديدة في استغلال الاصلاح الاقتصادي من أجل
توطيد التحول الديمقراطي من خلال مكافحة التضخم والاحتكار،
وفي الوقت نفسه زيادة الإنفاق الاجتماعي على الطبقة الفقيرة
والمتوسطة. تستخدم البرازيل اثنين من الاستراتيجيات
الرئيسية لتحسين أوضاع الفقراء: أولا، أنها تستخدم
التحويلات النقدية المشروطة الذي تستهدف الأكثر احتياجا
وفي نفس الوقت تشجع السلوك الإيجابي مثل ابقاء الاطفال
في المدرسة، وثانيا، أنها توفر الحقوق الاجتماعية
والاقتصادية (الرعاية الصحية، والتعليم، وحماية العمال)
لتشمل كل الفئات المحرومة.
بالمثل دعمت المكسيك تحولها الديمقراطي من خلال تقديم
الفرص الاقتصادية لشريحة أوسع من المواطنين.
زادت من المعونات الشهرية للفقراء والمشروطة بسلوكيات
مثل الحفاظ على صحة الأطفال وابقائهم في المدارس،
وتغطي هذه المعونات حوالي ربع السكان. تعد هذه الخطوة تحولا
عن العقود السابقة عندما فعلت الحكومة القليل من أجل توفير الفرص
المادية للفئات الأكثر ضعفا، حتى مع اتساع المشاركة السياسية.
لكن عندما تفشل الديمقراطيات في أن ترقى إلى توقعات فمن
الطبيعي أن تؤدي إلى انقلاب الشعوب على النظام القائم.
وتلعب الأطراف الدولية الفاعلة دورا هاما، وينبغي أن تدعم السياسات
الاقتصادية للإصلاحيين من خلال المنح والقروض الإنمائية،
وضمانات القروض السيادية، والإعفاء من الديون.
خامسا: تشجيع سيادة القانون
هل يمكن أن أثق في هذه الحكومة الجديدة، أم لا؟
هذا هو السؤال الذي يواجه أي مواطن في ديمقراطية جديدة.
للإجابة على هذا السؤال، علينا أن ندرك أن أي الديمقراطية جديدة
تحتاج لاقناع مواطنيها بأنها قادرة على حماية الحقوق الأساسية
ووضع قواعد اقتصادية وسياسية عادلة. هذا ليس بالأمر الصعب
أو المعقد كما يظن البعض، إذا أعتقد الناس أن أن النظم
القانونية والمؤسسات العامة تعمل لصالحهم، ففي تلك الحالة من
الطبيعية أن يقف الناس مع النظام الجديد ويدعموه، والأكثر أهمية
أنهم سيكونوا أكثر استعداد على تحمل الاضطرابات الحتمية المتوقعة
في أي مرحلة انتقالية.
على سبيل المثال تعد بولندا اليوم نموذجا لدولة ديمقراطية ناجحة
بنيت من رماد دولة قمعية. يرجع هذا النجاح في جزء منه إلى
حقيقة أن الإصلاحات الاقتصادية الهيكلية، لا سيما خصخصة
الأصول المملوكة للدولة، لم يتم تنفيذها إلا بعد وضع ضمانات
قوية لمكافحة الفساد. في المقابل، فشلت أوكرانيا بشكل مذهل في
إنشاء نظام قانوني عادل ونزيه أو وضع آليات للشفافية مما أدى
إلى خصخصة الغالبية العظمى من الثروات أوكرانيا في أيدي القلة
في نهاية التسعينات.
ولا يتعلق الأمر فقط بالإصلاحات القانونية والدستورية التي
تشعر المواطن بالأمان داخل وطنه وتدعم ثقته في النظام القائم،
ولكن يمتد الأمر لإصلاح القوانين المقيدة لمنظمات المجتمع المدني
والمنظمات غير الحكومية، وهنا يشير الكتاب الأمريكية إلى التجربة
المصرية في مرحلة حكم الإخوان حيث تم وضع قوانين أكثر قمعية
لتنظيم عمل المنظمات الغير حكومية مما يلقي بالكثير من ظلال
الشك حول النظام الإخواني الجديد ومدى التزامه بالتحول الديمقراطي.
سادسا: توطيد السلطة
توطيد السلطة في المناطق المحلية له الكثير من الفوائد القوية،
حيث يساعد على التخفيف من خطر السلطة المركزية الموروثة
في كثير من الأحيان من الأنظمة الاستبدادية، كما يزيد من القدرة
على المساءلة بتقليص المسافة التي تفصل الإدارة الحكومية عن الناس.
وقد استفادت الديمقراطية في اندونيسيا من تفويض السلطة، وعلى
الرغم من أن تطبيق نظام لا مركزي يبدو الخيار الصحيح من أجل
إدارة أرخبيل واسع ومتنوع مثل إندونيسيا، إلا أن النخبة الحاكمة في
العاصمة جاكرتا قاومت لفترة طويلة فكرة التخلي عن سيطرتها
المركزية. وقد أدت الفوضى السياسية والاقتصادية في أواخر التسعينات
وبداية الألفية الجديد إلى قبولهم لفكرة الحد من تلك السلطة المركزية
كوسيلة للحفاظ على الوحدة الوطنية في مواجهة مطالب الانفصال
المتزايدة. جلبت هذه الخطوة فوائد واضحة: تضاءل التحريض
عن الانفصال، كما اكتسبت الإدارات المحلية والإقليمية مزيد
من السلطة، ونتج عن ذلك زيادة شفافية الموازنة، وتحسنت
السياسات في ظل نمو المستويات الإقليمية والمحلية للاستثمار.
كما حقق نظام لامركزية السلطة نتائج إيجابية في بولندا.
بعد التمركز الاقتصادي والسياسي الفاشل في ظل الحكومة الشيوعية،
أعطى المصلحون الأوائل في بولندا الأولوية لتأسيس الحكم الذاتي
المحلي. وبحلول أواخر التسعينات منحت هذه الإصلاحات للمجتمعات
المحلية القدرة على السيطرة على ما يقرب من نصف الميزانية في بولندا.
لا مركزية السلطة بالطبع ليست حلا سحريا. حيث يتطلب الأمر
تأسيس هياكل إدارة محلية فعالة، وهو أمرمن الممكن أن يكون
محفوف بالمخاطر في الحالات التي تمثل فيها القوى المركزية
تهديد لاستقرار البلاد. كما قد ينتج عن لامركزية السلطة ظهور
حركات انفصالية تلجأ للعنف. ولذلك ينبغي على الدول الانتقال
إلى نظام اللامركزية بشكل مدروس، وباستخدام الطرق التي تساعد
على تعميق وإدامة الديمقراطية.
يمكن للحكومات الأجنبية والمنظمات الدولية والمنظمات غير الحكومية
دعم اللامركزية من خلال توفير المساعدة التقنية، ورعاية الشراكات
وبناء القدرات على المستويات المحلية من خلال مبادرات التنمية
للمجتمعات المحلية.
سابعا: الاعتماد على الدول المجاورة الجيدة وتعويض السيئة
يمكن لحسن الجوار مساعدة الديمقراطيات الهشة على النجاح
في الأوقات الصعبة من خلال توفير المساعدة الاقتصادية
والتقنية الحيوية وممارسة الضغط السياسي البناء.
وعلى العكس، يمكن للدول المجاورة السيئة أن تقوض
التحولات الديمقراطية بتعزيزها للنماذج الغير ديمقراطية.
قضية الجيران لا تتعلق فقط بفكرة الحدود الجعرافية والسيادة الوطنية،
ولكن الدول المجاورة قد تقدم وشراكة اقتصادية كما هو الحال في
الاتحاد الأوربي، أو تحالف سياسي وعسكري مثل حلف شمال
الأطلنطي، أو تمثل وحدة ثقافية على أساس التراث المشترك.
ولهذه الدول المجاورة دور كبير في دعم التحول الديمقراطي أو في اجهاده.
في بولندا، وإندونيسيا، والمكسيك، كان للدول المجاوة تأثير إيجابي
في عملية التحول الديمقراطي ودعم الإصلاحيين العازميين على
تحقيق تغييرات. في أوكرانيا، من ناحية أخرى، كان لروسيا تأثير مدمر،
حيث قامت بتشجيع الفساد وإجراء صفقات مشبوهة في قطاع الطاقة.
ونظرا لأهمية حسن الجوار، يجب على الحكومات الأجنبية والمنظمات
الدولية والإقليمية أن تسعى لتعويض الدول التي تمر بمرحلة تحول
ديمقراطية عن وجود دول جوار سيئة. يجب أن يكون للبنوك الإنمائية
الدولية دور قوي في إعطاء دعم للإصلاحيين في الديمقراطية الناشئة
من أجل إعادة الهيكلة الاقتصادية. ويمكن للمنظمات الإقليمية مثل الجماعة
الاقتصادية لدول غرب أفريقيا ورابطة أمم جنوب شرق آسيا أيضا أن تلعب
دورا أكثر قوة في دعم التحولات الديمقراطية، كما فعل الاتحاد الأوروبي
لبولندا والبلدان الأخرى في أوروبا الشرقية بعد انهيار الاتحاد السوفياتي.
وبطبيعة الحال، لا يوجد هناك حل واحد يناسب الجميع للتحدي
الصعب المتمثل في تحويل الدول القمعية إلى مجتمعات حرة
ومفتوحة. وقد شهد التاريخ بغباء وحمق هؤلاء الذين يعتقدون
أنهم يمكن أن يحددوا مصير الأمم باتباع قواعد محددة وسابقة التجهيز.
ولكن هذه الأفكار يمكن أن تكون بمثابة علامات إرشادية قيمة
على الطريق الطويل والصعب لتوطيد الديمقراطية.