الخميس، 13 مارس 2014

التحول الديمقراطي في مصر

كتاب أمريكي يرصد خارطة التحول الديمقراطي في مصر







في كتاب جديد "مسارات إلى الحرية: الدروس السياسية والاقتصادية 
من التحولات الديمقراطية" يسلط الكاتبان ايزابيل كولمان وتيرا لوسون ريمر
 الضوء على العوامل الحاسمة لنجاح أي ديمقراطية ناشئة. 
 الكتاب صدر عن  دار النشر التابعة  لمجلس العلاقات الخارجية
 الأمريكية وهو مؤسسة بحثية مستقلة و مركز للمعلومات أسس
 عام 1921 لصالح المسؤولين الحكوميين، الشركات الخاصة،
 المؤسسات الصحفية والقادة السياسيين.  


يقدم الكتاب دليل للدول التي تمر بمرحلة تحول ديمقراطي 
ويرصد  أسس نجاح عملية التحول الديمقراطي في ضوء تجارب
 عدد من الدول التي مرت بنفس تجربة الانتقال من نظام سلطوي
 إلى نظام ديمقراطي. يبدأ الكتاب بالإشارة أن تأسيس دولة ديمقراطية
 ليس بالأمر السهل، وإذا كان  سقوط سور برلين الذي كان مصدر الإلهام
 الأول للثورات الشعبية قد أسفر عن تأسيس ديمقراطية حقيقية، فأن الثورات
 التالية والتي سعت لتأسيس أنظمة ديمقراطية في أوربا شرقية، أفريقيا،
 وأمريكا اللاتينية لم تلقى نفس النجاح وتعرضت للكثير من العقبات تماما
 مثل دول الربيع العربي. على الناحية الأخرى فشلت الولايات المتحدة 
الأمريكية في فرض الديمقراطية بالقوة في العراق أو أفغانستان وكان لهذا
 الفشل ثمن فادح على كافة المستويات.  

الربيع العربي الذي تحول إلى خريف على يد تيارات الإسلام السياسي 
التي سيطرت على مقاليد الحكم دفع الكثير من المحللين الغربيين إلى القاء
 ظلال من الشك حول إمكانية نجاح التحول الديمقراطي في مصر وغيرها
من دول الربيع العربي. وفقا للكتاب فأن دول الربيع التي تسعى لتأسيس نظام
 ديمقراطي تبدو وكأنها سقطت في فخ الصراعات السياسية التي تصاحبها
 مشاكل اقتصادية لاحصر لها من الفقر إلى البطالة. في نفس الوقت تأتي 
الصين كنموذج لدولة استبدادية ولكنها تحقق نمو اقتصادي يذهل العالم لتقدم
 نموذج متناقض مع النموذج الغربي الديمقراطي وبالتالي تطرح سؤال مهم
 حول جدوى تطبيق الديمقراطية. 

في ظل هذه الشكوك يؤكد الكاتبان الأمريكان أن على مصر وغيرها 
من دول الربيع العربي ادراك أن عملية التحول الديمقراطي ليست عملية
 سهلة ومن الطبيعي أن تشهد العديد من الصعوبات. ويشهد التاريخ أن عملية
 التحول الديمقراطي تتسم عادة بالبطء إلى أن تنجح الدول في تأسيس نظام
 ديمقراطي تتمتع فيه الأغلبية الحاكمة بالمرونة ولاتسعي للسيطرة المنفردة 
على الحكم، وتتسم الأقلية بالقوة، ويوفر الدستور حماية للحقوق المدنية. 
ولكن تطورات الأحداث في مصر أو تونس تشير أن عملية التحول
 الديمقراطي  ستكون في أغلب الأحوال رحلة طويلة ووعرة.
يقدم الكتاب تجارب تحول ديمقراطية شهدتها ثماني دول هي بولندا،
 أوكرانيا، تايلاند، إندونيسيا، والبرازيل، والمكسيك، ونيجيريا وجنوب
 أفريقيا، ويخرج من هذه المقارنة بأهم الدروس المستفادة من هذه التجارب
 ويقدم في النهاية سبع خطوات أساسية لنجاح أي تجربة انتقال من نظام 
سلطوي إلى نظام ديمقراطي. وهي الخطوات التي إذا تأملنها سوف  نكتشف
  من ناحية كيف عجز النظام  الإخواني على تطبيقها، ومن ناحية أخرى كيف
  يمكن أن تمثل دليل للمرحلة ما بعد الإخوان. 

أولا: مزايا الأزمة الاقتصادية
يعتقد العديد من الخبراء أن النمو الاقتصادي يؤدي حتما  إلى الديمقراطية.
 وعلى الرغم من أن معظم البلدان الغنية  هي دول ديمقراطية نسبيا إلا أن
 هناك دول أخري مثل الصين  والسعودية يتمتعوا بتزايد الرخاء الاقتصادي
 دون زيادة متناسبة في الحريات السياسية. 

على ناحية أخرى تشير الدراسات أن الأزمات الاقتصادية تشكل في
 الواقع حافز قوي لتغيير النظام السياسي. على مدى العقود الثلاثة الماضية،
 شهدت العديد من التحولات الديمقراطية صدمات اقتصادية خطيرة عجلت
 بالقضاء على النظام الاستبدادي. تعد أندونيسيا هي أفضل نموذج لدور الأزمة
 الاقتصادية في أحداث تغيير سياسي، فقد أدت الأزمة الاقتصادية التي عصفت
 بآسيا في عام 1997 إلى الدفع بإصلاحات اقتصادية وسياسية. في البرازيل،
 مهدت الأزمة الاقتصادية الهيكلية  في الثمانينات  الطريق للانتقال من الحكم
 العسكري إلى الديمقراطية. شهدت المكسيك مسار مماثل  حيث أطلقت أزمة
 الديون عام 1982  التغيير السياسي والاقتصادي.  

في الشرق الأوسط ، لعبت الصدمات الاقتصادية مثل ارتفاع أسعار المواد
 الغذائية والبطالة بين الشباب دوراً قويا في إطلاق ثورات السنوات الأخيرة
 على الرغم من أن قدرة البلدان العربية على توطيد الديمقراطية  في ظل
 الأزمات الاقتصادية لاتزال غير مؤكدة.  والمهم أن يدرك الساسة أن الأزمة
 الاقتصادية تمهد الطريق لإجراء الإصلاحات السياسية اللازمة، وفي الوقت
 الذي تشكل الأزمة عبء في الوقت الحالي فأنها على الجانب الآخر تفتح الباب
 لترسيخ إصلاح ديمقراطي على المدى الطويل. 

ثانيا: أهمية الانتخابات 
أثبت التجربة أن الانتخابات حتى لو كانت  بدايتها مجرد
 إجراء صوري فأنها سوف تؤدي بمرور الوقت إلى مزيد من النجاح
 في الانتقال إلى الديمقراطية. غالبا ما شجب المراقبين الدوليين
 الانتخابات المعيبة باعتبارها محاولة من النظام السلطوي
 لتجميل ديمقراطية لا معنى لها، ولكن يمكن للانتخابات
 أيضا أن تضع بذور التوقعات العامة التي تزدهر على مر
 الزمن إلى مطالب  للديمقراطية لا يمكن تجاهلها.

تقدم المكسيك مثالا عظيما عن العواقب غير المقصودة
 للانتخابات الغير حرة.  في السبعينات، سعى الحزب الثوري
 المؤسسي الحاكم للحصول على الشرعية الانتخابية حتى مع
  فشل المعارضة الموالية على تقديم مرشح للرئاسة في عام
 1976، وقامت الحكومة بمراجعة قوانين الانتخابات لجعلها
 أسهل للمعارضة لكسب بضعة مقاعد.  وكانت المفاجأة عندما
 ضربت الأزمة الاقتصادية  المكسيك في بداية الثمانينات، حيث
 تمكنت المعارضة من استخدام هذا الانفتاح السياسي الصوري
 في حشد منظمات المجتمع المدني في حملة من أجل انتخابات
أكثر شفافية.

بالمثل تسامح النظام العسكري في البرازيل مع المعارضة
 طالما أنها تخضع لسيطرته.  ولكن  مع الأزمة الاقتصادية في بداية
 الثمانينات التي أدت إلى استياء واسع النطاق، بدأ الجيش في فقدان
 قبضته على الوضع السياسي، ونجحت المعارضة في تحقيق انتصار
 كبير مفاجئ في انتخابات البرلمان والحكم المحلي عام 1982 وتم 
مهيد الطريق لسقوط الجيش في الانتخابات الرئاسية لعام 1986.
هناك أمثلة أخري تشير أن  الانفتاح السياسي لو كان جزئي أو حتى
 صوري  من المرجح أن يساهم في تحويل الأنظمة الاستبدادية  لكي
 تصبح أكثر ديمقراطية.

ثالثا: الحذر من المليشيات المسلحة ودعم حركات المعارضة السلمية 
كثيرا ما تفشل حركات التمرد المسلحة في أن تؤدي إلى الديمقراطية، 
ويمتلأ التاريخ بالانتفاضات الفاشلة والإنقلابات عسكرية والثورات
 العنيفة التي لم تنجح سوى في استبدال أحد أشكال الديكتاتورية 
بشكل جديد. من الناحية  الأخرى الحركات السلمية والتعبئة الجماعية
 لديها سجل حافل في وضع الأساس من أجل التغيير الديمقراطي.
 أدرك أنصار اللاعنف، من غاندي إلى مارتن لوثر كينج، أن
 الاحتجاجات السلمية المستمرة تؤدي إلى مزيد من انخراط المواطنين
  في السياسة مما يضع أساس لمجتمع مدني منظم بشكل أفضل قادر 
على مواجهة التحديات التي لا مفر منها في عملية التحول الديمقراطي.

تجربة بولندا مع اتحاد التضامن، وهو حركة اجتماعية سياسية  نجحت
 في ضم ربع السكان كأعضاء لها،  توضح كيف يمكن لحركة شعبية 
سلمية أن تكون مفيدة في عملية الانتقال الديمقراطي. حركات التحرر
 واسعة النطاق التي عرفتها جنوب أفريقيا على مر عدة عقود في
 مرحلة الفصل العنصري وضعت أساس لمجتمع مدني قوي ومؤثر. 
في إندونيسيا استفادت المرحلة الانتقالية من انغماس  المواطنين
 في العمل السياسي، حيث قدمت احتجاجات الشوارع في
 عام 1997 و 1998، وارتفاع عدد الناخبين في عام 1999 
 قاعدة واسعة من المواطنين أصحاب الوعي السياسي القادرين
 على تحمل مرحلة عدم اليقين أثناء التحول السياسي. 

في المقابل لم تحقق بعض الحركات السلمية نجاحا، 
مثل تجربة أوكرانيا في التعبئة السلمية أثناء الثورة البرتقالية 
في عام 2004 حيث نزل مئات الآلاف من المتظاهرين في
 شوارع كييف، ولكن الحشد كان قوة سلبية تفتقر إلى العمق
 وحيوية الحركة الشعبية الحقيقية.

وقد تغلبت بعض البلدان، مثل ناميبيا والسلفادور، على البدايات 
العنيفة لتتطورمسار الديمقراطية. وبعض الأنظمة الديكتاتورية الشمولية 
لا تأتي نهايتها إلا من خلال العنف: على سبيل المثال معمر القذافي، 
 كان مصمما على محاربة شعبه مما أدى إلى تلك النهاية المريرة. 
 لكن ليبيا مستمرة في عملية الانتقال  الديمقراطي، ولاتزال الميليشيات
 التي ساعدت في الإطاحة بالقذافي  ومناخ الفوضى الذي سيطر على الأوضاع
  يشكلوا عقبات كبيرة في تحقيق الاستقرار. 
في هذا الاطار ينبغي للمجتمع الدولي تعزيز بناء المجتمع المدني
 من خلال التبادلات المدنية وتقديم الدعم لمنظمات المجتمع 
المدني المحلية، مع ضمان أن منظمات تخدم مجتمعها 
ولا تحمل أجندا خارجية مرتبطة بمصادر التمويل. 
 كما أن دعم وسائل الإعلام المستقلة  التي من العوامل الحاسمة للديمقراطية الوليدة. 

رابعا: تشجيع النمو الشامل
يرفع الوعد بالحرية السياسية  من توقعات الشعوب
 فيما يتعلق بالفرص الاقتصادية والاجتماعية. 
بشكل أساسي يعتمد نجاح الديمقراطيات الناشئة على ما إذا كانت
 الديمقراطية يمكن أن تؤدي أيضا إلى تحسين  ظروف الناس ماديا.
 عندما يرى المواطنون تحسن في مستويات المعيشة، يزداد 
دعمهم للساسة مما يخلق حلقة من ردود الفعل القوية الايجابية
 التي تساعد على توطيد الديمقراطية. من ناحية أخرى،
 إذا ارتفع معدل البطالة، وظل الوضع الاقتصادي دون تحسن 
 ولم يتغير شيء بالنسبة للجماهير، فمن المتوقع أن ينقلب الشعب
 على النظام الجديد. نجحت البرازيل في في التسعينات وبداية
 الألفية الجديدة في استغلال الاصلاح الاقتصادي من أجل
 توطيد التحول الديمقراطي من خلال مكافحة التضخم والاحتكار،
 وفي الوقت نفسه زيادة الإنفاق الاجتماعي على الطبقة الفقيرة 
والمتوسطة. تستخدم البرازيل اثنين من الاستراتيجيات 
الرئيسية لتحسين أوضاع الفقراء: أولا، أنها تستخدم 
التحويلات النقدية المشروطة الذي تستهدف الأكثر احتياجا
 وفي نفس الوقت تشجع السلوك الإيجابي مثل ابقاء الاطفال
 في المدرسة، وثانيا، أنها توفر الحقوق الاجتماعية 
والاقتصادية (الرعاية الصحية، والتعليم، وحماية العمال) 
لتشمل كل الفئات المحرومة. 
بالمثل دعمت المكسيك  تحولها الديمقراطي من خلال تقديم
 الفرص الاقتصادية لشريحة أوسع من المواطنين.
زادت من المعونات الشهرية للفقراء والمشروطة بسلوكيات
 مثل الحفاظ على صحة الأطفال وابقائهم في المدارس،
 وتغطي هذه المعونات حوالي ربع السكان. تعد هذه الخطوة تحولا
 عن العقود السابقة عندما فعلت الحكومة القليل من أجل توفير الفرص
 المادية للفئات الأكثر ضعفا، حتى  مع اتساع المشاركة السياسية. 
لكن عندما تفشل الديمقراطيات في أن ترقى إلى توقعات فمن
 الطبيعي أن تؤدي إلى انقلاب الشعوب على النظام القائم. 
 وتلعب الأطراف الدولية الفاعلة دورا هاما، وينبغي أن تدعم السياسات
 الاقتصادية للإصلاحيين من خلال المنح والقروض الإنمائية،
 وضمانات القروض السيادية، والإعفاء من الديون. 

خامسا: تشجيع سيادة القانون
هل يمكن أن أثق في هذه الحكومة الجديدة، أم لا؟ 
هذا هو السؤال الذي يواجه أي مواطن في ديمقراطية جديدة. 
للإجابة على هذا السؤال، علينا أن ندرك أن أي  الديمقراطية جديدة
 تحتاج لاقناع مواطنيها بأنها قادرة على حماية الحقوق الأساسية
 ووضع قواعد اقتصادية وسياسية عادلة.  هذا ليس بالأمر الصعب
 أو المعقد كما يظن البعض، إذا أعتقد الناس أن  أن النظم 
القانونية والمؤسسات العامة تعمل لصالحهم، ففي تلك الحالة من
 الطبيعية أن يقف الناس مع النظام الجديد ويدعموه، والأكثر أهمية
 أنهم سيكونوا أكثر استعداد على تحمل الاضطرابات الحتمية المتوقعة
 في أي مرحلة انتقالية.

على سبيل المثال تعد بولندا اليوم نموذجا لدولة ديمقراطية  ناجحة
 بنيت من رماد دولة قمعية. يرجع هذا النجاح في جزء منه إلى
 حقيقة أن الإصلاحات الاقتصادية الهيكلية، لا سيما خصخصة 
الأصول المملوكة للدولة، لم يتم تنفيذها إلا  بعد وضع ضمانات 
قوية لمكافحة الفساد. في المقابل، فشلت أوكرانيا بشكل مذهل في
 إنشاء نظام قانوني عادل ونزيه أو وضع آليات للشفافية مما أدى
 إلى خصخصة الغالبية العظمى من الثروات أوكرانيا في أيدي القلة
  في نهاية التسعينات. 
ولا يتعلق الأمر فقط بالإصلاحات القانونية والدستورية التي
 تشعر المواطن بالأمان داخل وطنه وتدعم ثقته في النظام القائم،
 ولكن يمتد الأمر لإصلاح القوانين المقيدة لمنظمات المجتمع المدني
 والمنظمات غير الحكومية، وهنا يشير الكتاب الأمريكية إلى التجربة
 المصرية في مرحلة حكم الإخوان حيث تم وضع قوانين أكثر قمعية
 لتنظيم عمل المنظمات الغير حكومية مما يلقي بالكثير من ظلال
 الشك حول النظام الإخواني الجديد ومدى التزامه بالتحول الديمقراطي. 

سادسا: توطيد السلطة 
توطيد السلطة في المناطق المحلية له الكثير من الفوائد القوية،
 حيث يساعد على التخفيف من خطر السلطة المركزية الموروثة
 في كثير من الأحيان من الأنظمة الاستبدادية، كما يزيد  من القدرة 
على المساءلة  بتقليص المسافة التي تفصل الإدارة الحكومية عن الناس.
وقد استفادت الديمقراطية في اندونيسيا من تفويض السلطة، وعلى
 الرغم من أن تطبيق نظام لا مركزي يبدو الخيار الصحيح من أجل
 إدارة أرخبيل واسع ومتنوع مثل إندونيسيا، إلا أن النخبة الحاكمة في
 العاصمة جاكرتا  قاومت  لفترة طويلة فكرة التخلي عن سيطرتها
 المركزية.  وقد أدت الفوضى السياسية والاقتصادية في أواخر التسعينات
 وبداية الألفية الجديد إلى قبولهم لفكرة الحد من تلك السلطة المركزية
 كوسيلة للحفاظ على الوحدة الوطنية في مواجهة مطالب  الانفصال
 المتزايدة.  جلبت هذه الخطوة فوائد واضحة: تضاءل التحريض
 عن الانفصال، كما اكتسبت  الإدارات المحلية والإقليمية  مزيد 
من السلطة،  ونتج عن ذلك زيادة شفافية الموازنة، وتحسنت
 السياسات في ظل نمو المستويات الإقليمية والمحلية للاستثمار.

كما حقق نظام لامركزية السلطة  نتائج إيجابية في بولندا.
 بعد التمركز الاقتصادي والسياسي الفاشل في ظل الحكومة الشيوعية،
 أعطى المصلحون الأوائل في بولندا  الأولوية  لتأسيس الحكم الذاتي
 المحلي. وبحلول أواخر التسعينات منحت هذه الإصلاحات للمجتمعات
 المحلية القدرة على السيطرة على ما يقرب من نصف الميزانية في بولندا.
لا مركزية السلطة بالطبع ليست حلا سحريا.  حيث يتطلب الأمر
 تأسيس هياكل إدارة محلية فعالة، وهو أمرمن الممكن أن يكون
 محفوف بالمخاطر في الحالات التي تمثل فيها القوى المركزية
 تهديد لاستقرار البلاد. كما قد ينتج عن لامركزية السلطة ظهور
 حركات انفصالية تلجأ للعنف. ولذلك ينبغي على الدول الانتقال
 إلى نظام اللامركزية بشكل مدروس، وباستخدام الطرق التي تساعد
 على تعميق وإدامة الديمقراطية.
 يمكن للحكومات الأجنبية والمنظمات  الدولية والمنظمات غير الحكومية
 دعم اللامركزية من خلال توفير المساعدة التقنية، ورعاية الشراكات 
وبناء القدرات على المستويات المحلية من خلال مبادرات التنمية
 للمجتمعات المحلية.

سابعا:  الاعتماد على الدول المجاورة الجيدة وتعويض السيئة 
يمكن لحسن الجوار مساعدة الديمقراطيات الهشة على النجاح
 في الأوقات الصعبة من خلال توفير المساعدة الاقتصادية
 والتقنية الحيوية وممارسة الضغط السياسي البناء.
 وعلى العكس، يمكن  للدول المجاورة السيئة  أن تقوض
 التحولات الديمقراطية بتعزيزها للنماذج الغير ديمقراطية. 

قضية الجيران لا تتعلق فقط بفكرة الحدود الجعرافية والسيادة الوطنية،
 ولكن الدول المجاورة قد تقدم وشراكة اقتصادية كما هو الحال في
 الاتحاد الأوربي، أو تحالف سياسي وعسكري مثل حلف شمال
 الأطلنطي، أو تمثل وحدة ثقافية على أساس التراث المشترك.
 ولهذه الدول المجاورة دور كبير في دعم التحول الديمقراطي أو في اجهاده.

في بولندا، وإندونيسيا، والمكسيك،  كان للدول المجاوة تأثير إيجابي
 في عملية التحول الديمقراطي ودعم الإصلاحيين العازميين على 
تحقيق تغييرات. في أوكرانيا، من ناحية أخرى، كان  لروسيا تأثير مدمر،
 حيث قامت بتشجيع الفساد وإجراء صفقات مشبوهة في قطاع الطاقة.
 ونظرا لأهمية حسن الجوار، يجب على الحكومات الأجنبية والمنظمات
 الدولية والإقليمية  أن تسعى لتعويض الدول التي تمر بمرحلة تحول
 ديمقراطية عن وجود دول جوار سيئة. يجب أن يكون للبنوك الإنمائية
 الدولية دور قوي في إعطاء دعم للإصلاحيين في الديمقراطية الناشئة
 من أجل إعادة الهيكلة الاقتصادية. ويمكن للمنظمات الإقليمية مثل الجماعة
 الاقتصادية لدول غرب أفريقيا ورابطة أمم جنوب شرق آسيا أيضا أن تلعب
 دورا أكثر قوة في دعم التحولات الديمقراطية، كما فعل الاتحاد الأوروبي
 لبولندا والبلدان الأخرى في أوروبا الشرقية بعد انهيار الاتحاد السوفياتي.

وبطبيعة الحال، لا يوجد هناك  حل واحد يناسب الجميع للتحدي
 الصعب المتمثل في تحويل الدول القمعية إلى مجتمعات حرة 
ومفتوحة. وقد شهد التاريخ بغباء وحمق هؤلاء الذين يعتقدون
 أنهم يمكن أن يحددوا مصير الأمم باتباع قواعد محددة وسابقة التجهيز. 
ولكن هذه الأفكار يمكن أن تكون  بمثابة علامات إرشادية قيمة 
على الطريق الطويل والصعب لتوطيد الديمقراطية.


الحياة ما بعد الخيانة





قصة حقيقية: كيف يمكن لخيانة الزوج

أن تصنع قصة زواج ناجح





كتبت مي سمير

خلف الأبواب المغلقة للحياة الزوجية هناك الكثير من الأسرار
 التي تمنح للعلاقة بين المرأة والرجل ذلك الشغف 
الذي تتأرجح ألوانه بين ألوان السما السبعة،  
وتتغير درجات حرارته بين الاشتعال والبرودة، 
وتختلف حالاته كما تختلف طبائع البشر.  
وتبقى الخيانة هي السر الأكثر إيلاما في الحياة الزوجية، 
سر قد يضع كلمة النهاية في الحب أو تبدأ معه الحياة الزوجية فصلا جديد.

عن الحياة الزوجية ما بعد الخيانة صدر كتاب 
"خيانة زوجي أصبحت أفضل شيئا حدث لي" 
والصادر عن دار نشر "ترافورد" الأمريكية، 
الكتاب الذي وصفته الدايلي ميل البريطانية كواحد من أهم
 الكتاب التي تناولت الخيانة الزوجية في العقد الأول 
من القرن الواحد وعشرين، هو ليس من تأليف خبيرة في 
العلاقات الزوجية تمتلك خبرة في هذا المجال 
أو دكتور نفسي تعلم أسرار النفس البشرية والعلاقات بين البشر، 
ولكن الكتاب من تأليف زوجة تعرضت بالفعل لخيانة زوجها 
ونجحت في تخطي هذه الأزمة لتعيش مع زوجها أجمل قصة حب 
جعلتها تصف خيانة الزوج بأنها أفضل شيئ حدث لها. 

الكاتبة أو الزوجة المخدوعة آن بيرشت بدأت كتابها 
بالإشارة أنها تزوجت بعد قصة حب سريعة استمرت لسبعة أسابيع 
وانتهت بحفل زفاف رومانسي وحياة زوجية استمرت 
لعشرين عام من السعادة والاستقرار وأسفرت عن انجاب ثلاثة أبناء، 
لكن بعد عشرين عاما كان الزلزال الذي هز حياتها وغيرها على نحو لم تتوقعه.

المرأة الأخرى
تبدأ القصة مع يوم عادي بتفاصيل روتينة وحلم يرواد 
الزوجة بالهرب من تلك الالتزامات الأسرية بقضاء أجازة أسبوعية 
بمفردها بعيدا عن الزوج والأبناء حيث لا تفعل شيئ 
سوى تناول الشوكولاته والتمتع بعدم عمل أي شيئ، 
ولكن هذا اليوم العادي تغيرت ملامحه عندما اقترب زوجها
 في خطوات ثقيلة وعلى وجه علامات جدية وتردد من السهل ملاحظته،
 وطلب منها الجلوس لأنه يريد التحدث معها في موضوع مهم، 
في تلك اللحظات دارت ملايين الأفكار في عقلها 
وبدأت نبضات قلبها تتسارع على نحو لم تشهده من قبل، 
ولم ينتظر الزوج كثيرا قبل أن يعترف لزوجته بخيانته لها. 
تؤكد الكاتبة أن أول عبارة خطرت ببالها أن تقول لزوجها 
انها تسامحه، ولكن مع توالي الاعتراف  وجدت نفسها 
تصرخ في وجهه وتسأله " من تريد أنا أم هي" وأتت الإجابة 
في شكل صدمة قوية عندما أكد الزوج أنه يريد المرأة الأخرى. 
أقسى لحظة في حياة أي امرأة أن تسمع حبيبها وهو يؤكد أنه يختار
 المرأة الأخرى بدلا منها، في تلك اللحظة تدرك أنها لم تعد الحضن 
الذي يشعر فيه بالأمان أو القلب الذي يمنحه الحب. 



حالة من الدهشة سيطرت على الزوجة التي أعتقدت أنها تعيش قصة
 حب مع زوجها وبدأت تشعر أن تلك المرأة الأخرى نجحت 
في تحطيم حياتها، وبدأت حالة من الهوس تسيطر عليها، 
هل تعرف هذه المرأة الأخرى، هل هي أصغر سنا أم أكثر جمالا؟
 والمفاجأة أن العشيقة كانت زميلته في العمل وهي امرأة في منتصف العمر
 متزوجة ولكنها تعاني من مشاكل في حياتها الأسرية، وقد بدأت 
العلاقة بينهما عندما تحولت علاقة العمل إلى صداقة، والصداقة إلى
 حوارات مشتركة اولتي تحولت بدورها إلى حوارات حميمية عن
 أدق تفاصيل الحياة الشخصية، وسرعان ما تطورت العلاقة إلى خيانة. 

الغضب 
غضب يسيطر على كل جزء من أجزاء جسدها، 
لوم يدفعها للتفكير في الانتقام، 
ازدراء يحرك كل مشاعرها، 
ورغبة دفينة في الصراخ ترجمتها إلى دموع ملأت عيونها 
في الليلة الأولى لاعتراف الزوج الصادم،
 فالحبيب عرف قلبه امرأة أخرى، 
والزوج  كفر بالحياة الأسرية،
 والأب مستعد لكي يغادر عائلته من أجل نزوة.  

في البداية طلبت الزوجة المخدوعة من زوجها أن يجلس مع أبنائه
 ويشرح لهم أسباب الانفصال، كان اعترافه أمام أطفاله بأنه لم 
يعد يريد البقاء مع والداتهم وأنه وقع في غرام سيدة أخرى بمثابة 
وسيلتها للانتقام منه، كانت تريد أن تراه وهو يتلعثم أمام أبنائه،
 كانت تستمتع بحبات العرق التي تحاصر وجهه وهو يحاول 
الإجابة على أسئلتهم، وشعرت بالذة الانتصار عندما غادر الأبناء 
والدهم وعلى وجههم نظرات حزن وغضب مختلطة بالتعاطف نحو الأم.

لم تتخذ مؤلفة الكتاب قرارها بالحفاظ على زوجها ومحاولة 
استرجاعه مرة أخرى إلا عندما شاهدته وهو يغادر المنزل، 
في تلك اللحظة أدركت  أن عليها خوض معركة 
من أجل استرجاع حبيبها وزوجها ووالد أبناءها، 
وتؤكد آن أنها تعلم أن بعض السيدات ينتقدن اختيارها بالبقاء 
مع زوج لم يكتفي فقط بالخيانة ولكنه اختار البقاء مع العشيقة، 
ولكن آن تؤكد أنها تدرك أن خيارها هو الخيار الأصعب 
ولكنها تفضل الحفاظ على أسرتها وزوجها بدلا من الاستسلام 
لأمرأة أخرى، وتضيف أن معركة استرجاع الزوج هي معركة 
على كل زوجة محبة أن تخوضها إذا وقع زوجها في فخ الخيانة. 

اتصلت آن بزوجها أكثر من مرة لكي تؤكد له ان لديها استعداد
 لمسامحته، كانت تريد أن تبقي الباب مفتوح في وجه الزوج، 
وفي كثير من الأحيان يفكر الزوج في العودة للزوجة ولكنه 
يخشى من غلق الباب في وجهه،لهذا كان مهم أن تبقي هذا الباب مفتوح. 
م تكتفي الزوجة بالاتصال بزوجها ولكنها ذهبت إليه في العمل مرتين
 لكي تعيد تأكيد استعدادها لكي تبدأ صفحة جديدة، 
وكللت جهودها في النهاية بالنجاح وعاد الزوج للمنزل،
وكان عليها أن تبدأ مشوارها في استعادة حياتها الزوجية من جديد.  

تؤكد مؤلفة الكتاب أنها حرصت على استرجاع زوجها لأنها كانت
 واثقة من أن مشاعر الحب بينهما والتي تمتد لعشرين عاما أكبر
 من تلك النزوة، وكانت تدرك أن عودة الزوج للمنزل هي خطوة
 أولى لمعركة طويلة، معركة تعلمت فيها كيف تغفر لزوجها 
وكيف تبدأ معه الحياة من جديد بدون خيانة.  

المعركة
خاضت مؤلفة الكتاب معركة طويلة استمرت لمدة عامين 
من أجل تخطي أزمة خيانة زوجها، وتؤكد أنها في بداية هذه 
المعركة كانت واثقة من قدرتهما على تجاوز هذه الأزمة لكن
 في المقابل فأن الزوج كان متأرجح المشاعر، 
وتؤكد الكاتبة أن هذه المشاعر معتادة بين الرجال في فترة ما بعد الخيانة. 

يبقى السؤال الأهم كيف استرجعت آن حياتها الزوجية بعد  خيانة الزوج
 وماهي تفاصيل تلك المعركة التي استمرت طوال عامين؟
 لم يكن الأمر سهلا، في أول ثلاثة شهور كان هناك الكثير
 من الغضب، فهي قد غفرت له خيانته ولكنها لم تنسى أنه
 وقع في غرام امرأة اخرى، وبعد أن هدأت مشاعر الغضب 
بدأت الرحلة بحوار صريح جمع الزوجين حول الأسباب
 التي دفعت الزوج للخيانة. عادة إذا سألت أي رجل خائن
 لماذا أقدم على خيانة زوجته سوف يسرد قائمة من الأسباب 
التي تتمحور حول الزوجة،في المقابل قد تكون الزوجة مثالية
 وعلى الرغم من ذلك تتعرض لخيانة زوجها، 
وقد أدركت آن أثناء تلك المحادثة أن زوجها الذي ارتبط بها بعد قصة
  لم يعد ينظر إليها باعتبارها حبيبته بعد أن تحولت من الحبيبة
 إلى الزوجة التي تتحمل مسئولية المنزل والأم المنشغلة دائما بالأبناء. 
 أدركت الكاتبة أن الحبيب لن يخون حبيبته إلا عندما يصاب 
الحب بينهما بالجمود، حيث تعتبر الزوجة أن الحب أمر مسلم به، 
ولكن في حقيقة الأمر فأن الحب يحتاج دائما لاهتمام وعناية 
كي يبقى على قيد الحياة. 

بعد هذه المحادثة قررت الزوجة أن تعود حبيبة  لزوجها، 
أن تحافظ على هذه المشاعر بينهما إلى الأبد، أن تستمتع إليه
 عندما يتحدث، أن تشاركه الأمور التي يحبها، أن تمنحه التفاهم 
الذي يبحث عنه وأن تحافظ على الصدق والصداقة بينهما. 

بعد عامين من محاولة تخطي أزمة خيانة الزوج، 
وبعد استرجاع شريط الحياة الزوجية في محاولة الوقوف
 على أهم الأخطاء التي دفعت الزوج للخيانة، 
خرجت الزوجة المخدوعة بثلاثة نصائح أساسية سوف تساعد
 كل زوجة على استرجاع حياتها بعد خيانة الزوج 
وبدأ فصل جديد في حياتها الزوجية بلا خيانة. 

أولا، كنتيجة للخيانة قرر الزوجين عدم ترك أي أمور
 أو قضايا معلقة بينهما، مع الحرص على البوح بأبسط المشاعر 
التي تضايقهما حتى لا تتراكم وتتحول إلى جبل 
من الصعب التخلص منه ، قد تبدو هذه النصيحة مستحيلة 
ولكنها أقرب لوصفة سحرية تجعل العلاقة أكثر صلابة، 
إذا شعرت الزوجة بالغضب من نبرة زوجها عندما يطلب 
 شيئا ما، فعليها مواجهته بمشاعرها حتى لا يتحول الغضب 
من نبرة الزوج إلى غضب منه، 
إذا شعر الزوج أن زوجتها لا تقدر الجهد الذي يبذله في عمله ،
 فعليه أن يعترف لها بمشاعره حتى لا تنمو هذه المشاعر 
وتتحول إلى كراهية للزوجة.

ثانيا، الحفاظ على مساحة خاصة تجمع الزوجين بعيدا 
عن أعباء الأسرة ومسئوليات الأبناء، في تلك المساحة 
يتذكر الزوجين أنهما حبيبن قبل أن يكونا زوجين أو والدين، 
 وذلك حتى يتمكنا من الحفاظ على مشاعر الحب بينهما مشتعلة دائما.

ثالثا، مناقشة القضايا الصعبة ومواجهتها دون خجل،
 مثال بسيط ،  إذا سألت الزوجة زوجها عما إذا كانت 
تبدو جميلة في فستان ما، فعليها أن تنتظر منه إجابة صادقة وأن تتقبل 
 أن يقول لها أنها تبدو أجمل في فستان آخر، 
مثل هذه الملاحظات الصغيرة قد تبدو بلا أهمية ولكنها 
تساهم في تقوية العلاقة بين  الزوجين وتؤدي إلى مزيد من
 التقارب بينهما، فكما لم يكتفي الزوج بالتعبير عن عدم
 اعجابه بالفستان ولكنه أيضا تولى هو مهمة اختيار فستان آخر
 تبدو فيه زوجته أكثر جمالا. 


في نهاية كتابها تؤكد الكاتبة الأمريكية أنه من السهل
 انهاء الزواج بعد خيانة الزوج ولكن الأكثر صعوبة 
هو الحفاظ على الحياة الزوجية واستعادة الزوج من جديد 
خاصة لو كان هناك قصة حب جمعت بين الزوجين.